الحبة الأخيرة

حدقت ليل بمشاعر مختلفة إلى درجاتها. خليط من السعادة والتوتر وعدم التصديق. ضيقت عينيها ونظرت بإمعان أكثر إلى البيانات. ما زال الأمر صعب التصديق.

كانت ضمن الخمسين الأوائل على دفعتها، وهو الٱمر الذي لم تستطع أن تستوعب كيف حدث. هذا مفاجئ حقا.. حتى لو كانت هي الطالبة الخمسين.

لم تكن غبية، ليل سريعة الفهم والتعلم ولكنها تفتقر إلى مهارات تنظيم الوقت والدراسة الذكية. إنها فتاة فوضوية وعشوائية من الطراز الأول كما أنها لم تكن أحد أولئك الأشخاص ذوي الذكاء المتقد لذلك لم تنتظر حدوث شيء كهذا ولو من قبيل الحظ أو الصدفة.

لكنها كانت سعيدة جدا، جدا. الجامعة تقدم برنامجا تدريبيا حصريا للطلبة الأوائل، وهذا البرنامج مفيد حقا وثري بالفرص التعليمية النادرة.. والأهم من ذلك كله، حجة غياب ممتازة، لا عودة للعراق هذه السنة أيضا.

رن هاتفها ففركت يديها بتوتر وخفق قلبها. أمها وماما ليلى تتصلان لتعرفا النتيجة. لم تعرف كيف تخبرهم بذلك، إنهما متلهفتان لعودتها كثيرا وحتى والدها اتصل كثيرا في الآونة الأخيرة وعبر عن شوقه لها. تنفست بعمق وأجابت على المكالمة.

«مرحبا أمي.» ابتسمت حين ظهرت صورة أمها الجميلة. شعرها الكستنائي كان مجدولا في ضفيرة قصيرة وعيناها السوداوان تنضحان باللطف والسذاجة. بجوارها كانت ماما ليلى بطلتها المعهودة وردائها الصيفي البارد ذي الألوان الزاهية.

«مرحبا يا حبيبتي، لقد اشتقت لك.» ردت أمها وقد لمحت ليل عيناها تلمعان بالدموع، شعرت بالذنب يأكلها.

«أنا أيضا اشتقت لكم، كثيرا.» لم تكن تكذب، هي فعلا تشتاقهم.

هتفت ليلى بحماس سائلة: «بشري، كيف هي نتائجك؟»

قهقهت بتوتر وردت: «صدقي أو لا تصدقي يا ماما، أنا.. أنا ضمن الخمسين الأوائل.»

كمشت عينيها حين صرخت المرأتان وزغردت ليلى فما كان منها إلا أن تضحك على فعلتهما.

«أين هو أبي؟ لستما في منزلنا.»

«نحن في منزل ليلى، والدك في الخارج.» ردت أمها فأومأت يفهم ثم قالت بتوتر: «أمي، لا أعتقد أنني سأكون قادرة على المجيء هذه السنة.»

سقطت ملامح المرأتين فجف ريقها وشعرت بأنها أسوء إنسان على وجه الأرض. تصارعت رغبتها الأنانية وخوفها مع الشعور بالذنب فزاد توترها أكثر.

وضحت بارتباك وقد قلت عزيمتها: «الجامعة تقدم برنامجا تدريبيا مهما للطلبة الأوائل.. إنه فرصة لا تعوض وقد لا تتاح لي مرة أخرى. ستتاح لنا فرص حتى الأطباء المقيمون يتلهفون للظفر بها وسيمنحوننا شهادة خاصة بهذه الدورة، وستكون شيئا رائعا في سيرتي الذاتية و-»

«لا بأس، لقد فهمت.» قاطعتها أمها بابتسامة مزيفة. «يمكنني رؤية مقدار حماسك. لا بأس، افعلي ما ترينه يصب في مصلحتك يا ابنتي.»

شعرت ليل بالرغبة في البكاء فجأة. كان الحزن واضحا على وجه أمها بينما صمتت ماما ليلى وطالعتها بعدم رضى وامتعاض.

«أنا آسفة حقا.» قالت يملؤها الذنب: «أنا أشتاق إليكم كثيرا ولكن هذه الفرصة، الأمر فقط.. لطالما حلمت به وقد جاء أخيرًا من حيث لم أتوقعه.»

«لا بأس.» أجابتها ليلى على الرغم منها وخففت أمها من وطأة الأمر: «مستقبلك أهم. ستعودين إلينا حين تتخرجين العام القادم بأي حال، ولكن هذه الفرصة تأتي مرة واحدة.»

نظرت إلى الأسفل باستياء، لم تعد متأكدة مما تفعله بعد الآن. هلال أيضا سيتزوج مرة واحدة، إنه صديق طفولتها وبمثابة شقيقها الكبير، هل يستحق خوفها تفويت يوم مهم كهذا في حياته؟

«والدك سيكون فخورا وسعيدا عندما يسمع بذلك.» واستها أمها في حين عبثت ليلى بأصابعها دون أن تقول شيئا.

«أرسلوا لي صور الزفاف. وثقوا لي كل اللحظات.» أخبرتهما في محاولة فاشلة لإصلاح الأجواء.

«سنفعل بالتأكيد.» طمأنتها والدتها بينما نهضت المرأة الأخرى قائلة بنبرة جافة: «سأغرف الغداء لعمك حازم.»

«إنها غاضبة مني.»

«لا عليك، هي محبطة لأنها لن تراك. كانت متحمسة جدا قائلة أن فرحتها ستصبح اثنتي بوجودك ولا بد أن هذا قد صدمها. سيلين قلبها بعد قليل، تعرفين أنها لا تستطيع البقاء غاضبة منك.»

عضت شفتها وأومأت بصمت فابتسمت أمها: «سأذهب لأتحدث معها الآن. انتبهي لنفسك يا بنيتي الجميلة.»

«انتبهي لنفسك أيضا يا أمي، وداعا.»

أغلقت الهاتف ورمته بإحباط بجانبها. الشعور بالذنب والضغط من هذه المحادثة استهلاكاها كليا، ومرة أخرى شعرت ليل بمدى عجزها فنظرت حولها باختناق.

السكن كان فارغا، فقد عادت رفيقتيها إلى ديارهما بعد انتهاء الدراسة، أما هي، فلا تستطيع. الجو الغائم والعتمة أضفيا شيئا من الكآبة والخمول على الشقة وزادا من المشاعر السيئة التي تملكتها.

جربت أن تتصفح هاتفها علها تلتهي قليلا ولكن سرعان ما تملكها السأم وصفعته على المنضدة. تذكرت فجأة الكتاب الذي كانت تقرأه فأمسكت بحقيبتها كي تخرجه ولكنها توقفت حين لمحتها.

الحبة الزرقاء بغلافها البلاستيكي المهترئ أغرتها مثل شيطان. ارتخت أعصابها على حين غرة وحدقت فيها كالتمثال. لقد مرة ثلاثة أشهر، وهذه هي الحبة الأخيرة.

مرة واحدة نهائية لن تضر، صحيح؟

شعرت ليل بجسدها يغدو خفيفا وهي تتجرع كأس الماء لتبلعها.

🛑 تحذير جاد:

هذه مجرد قصة خيالية، ما تفعله ليل خطير جدا.
لا تجربوا، وأكرر، لا تجربوا أبدا تعاطي أي دواء بدون إشراف الطبيب، وخاصة الأدوية النفسية لأنها تمتلك أعراض جانبية كثيرة ويمكنها أن تكون خطيرة جدا ومهلكة إذا تم أخذها دون إشراف طبي.

اهتموا بأنفسكم وحافظوا على سلامتكم.

Comment