المرأة العوجاء

انتفضت ليل فزعة أمام مكتبها واستيقظت بأنفاس سريعة متثاقلة بينما جسدها غارق في عرقه. نظرت حولها بتيه واستغرقت لحظات حتى تدرك أنها قد غفت على طاولة مكتبها وهي تدرس.

هذا سيء، سترسب على هذه الحال.

عادت بكرسيها للوراء ومنحت نفسها بعض الدقائق كي تهدأ ولكنها لم تلبث أن أجهشت بالبكاء فقد باغتتها تلك الذكريات على حين غرة.

اهتز كتفاها وكتمت شهقاتها بكفها وكأن معلمتها قد ماتت يوم أمس، وكأنها قد شهدت واحدة من جولات عمها قبل دقائق. تكورت على نفسها فوق الكرسي خائفة، وغاضبة وحزينة.

لقد كسر للمعلمة عظما ذات مرة، والتحم بشكل خاطئ فصارت ذراعها معوجة، مشوهة. لطالما قضَّت العظام المعوجة مضجعها.. دائما امتلكت ليل عظما مكسورا في مناماتها، ودائما تدلت ذراعها ذابلة بعد أن انكسر عظمها.

ضمت ركبتيها إلى صدرها وأسندت رأسها عليهما غارقة في تعاستها. إن ليل نفسها كانت عوجاء.

لقد انكسرت هي أيضا. لقد سقطت في قعر الأشياء مرة،
حيث القيعان تبتلعك، تحيطك بكل المرارة الممكنة. ليل خرجت في النهاية، ولكنها بقيت هناك حينا طويلا..
وتكوين ما انكسر في داخلها؛ فسقط المحور الذي كان قائما من خلاله.

محور ما اعوج إلى الأبد.

ليل شُفيت في النهاية.. ولكنها شفيت دون أن يقوم أحد بإعادة المحاور إلى مكانها الصحيح. شفيت عوجاء، ما عادت مستوية.

تنهدت بإرهاق ونهضت لتغسل وجهها من الدموع ولكنها توقفت عندما لمحت علبة الحبوب الزرقاء التي يفترض بها أن تكون فيتاميناتها المزعومة و.. راودها الشك.

إن شكلها الخارجي وشكل حباتها شبيه جدا بجرعات الفيتامين ولكن.. ماذا لو لم تكن كذلك؟

فركت عينيها المتورمتين من البكاء وأعادت خصلة شعثاء خلف أذنها ثم استجمعت شجاعتها والتقطت علبة الدواء مع هاتفها لتترجم ما كتب عليها بالفرنسية.

بليازيبام، مضاد اكتئاب تحت التجريب.
  تحذير:

  -الدواء يعمل في حيز الاكتئاب ولكن التأثيرات
    العلاجية غير واضحة تفصيلا.                   
  -الأعراض الجانبية للدواء غير معروفة.
  -الجرعة الآمنة حتى الآن خمس حبات فقط
    جرعة ٢٥ جم.
   -الشركة غير مسؤولة عن إساءة الاستخدام.
   -لا يصرف بدون وصفة طبية وختم خاص من الفريق
    الطبي القائم على التجربة.

سقطت علبة الدواء من يدها وتقهقرت للخلف ممسكة رأسها بيديها. كيف وصلت علبة دواء تجريبي إلى يديها بحق الجحيم!

ابتلعت ريقها محاولة السيطرة على هلعها وأنفاسها المتلاحقة كي تحسن التفكير. من المستحيل أن يفعل الطبيب عصام ذلك، إنه أخصائي أمراض باطنة وحتى صلاحياته لا تسمح له بذلك.

فتحت جرارها بأنامل مرتجفة وأخرجت وصفته الطبية ثم قارنت اسم الدواء على العلبة بالذي وصفها له، ولم يكونا بالتأكيد الشيء نفسه.

خط طبيبها فضائي لذلك لم تستطع قراءة اسم الدواء واعتمدت على الصيدلي في ذلك، ولكن ذلك الصيدلي بدا مرتبكا ومزحوم الذهن حين أعطاها إياه.

«الصيدلي! لا بد أنه الصيدلي!»

***

تنهد آدم وهو ينظر إلى علبة الدواء التي تحمل الاسم التجاري والنبذة المختصرة بجانبه مكتوبة بالفرنسية. كان هاتفه مرميا بجانبه على السرير ومفتوح على المترجم الذي حول النبذة الفرنسية إلى اللغة العربية، وفي يده الأخرى وصفة طبية احتوت بيانات مريض آخر وختم غريب لأحد المنشآت الطبية.

لا شك أنه الرجل الذي اصطدم به في المشفى الجامعي ذلك اليوم، لقد أوقعا أغراضهما ويبدو أن كل واحد أخذ الورقة التي تخص الآخر.. لكن كيف له ألا ينتبه على أمر كهذا سوى الآن!

شعر بالصداع من كل هذا الهراء فصعد إلى سطح منزلهم كي يلفحه هواء العراق الحار في تلك الليلة شبه الربيعية. لم يكد يخطُ خطوتين إلى الخارج حتى داهمه صداع حاد ألمّ بسائر رأسه.

أفلت أنينا مسموعا وقطب حاجبيه حين اهتزت الرؤية أمامه واختلطت أضواء السطح ببعضها حتى ظهرت شجرة الماموث العملاقة أمامه. شعر بالدوار وتراجع بضع خطوات كي يستند على الحائط خشن الملمس فلمح ذلك الخاتم الأزرق على بنصره الأيمن.

«يا إلهي..» تأوه بينما اضطربت أنفاسه وتصبب العرق منه ثم انهار جسده على الأرض متكورا على نفسه يحاول احتضان أعراضه الغريبة. بعد لحظات هدأ الألم الذي استهلك طاقته بالكامل، وحين رفع آدم رأسه رأى سطح منزله الذي يشاهده منذ واحد وعشرين عاما كما هو.

لا أثر لسيكويا، ولا توجد حلقة زرقاء حول بنصره.

Comment