امرأة بلا أحلام

انصرمت الأيام ببطء مغيظ ومضت الأسابيع كما تمضي أشواك السمك في الحناجر حتى شعرت ليل بأن الوقت يتعمد تعذيبها.

مسحت بخار الماء من على مرآة الحمام فبانت هيئتها المتعبة. شعرها المبلل الخفيف ملتصق بجسدها الرطب والهالات حفرت آخاديد أسفل عينيها.

تنهدت بثقل وباشرت بارتداء ملابسها استعدادا لآخر امتحان في سنتها الرابعة. كانت أنفاسها ثقيلة جدا بسبب الإنهاك هذه المرة، شهران من الامتحانات كانا كفيلين باستنزاف طاقتها حتى آخر قطرة، وراودتها رغبة ملحة بضرب رأسها بالحائط بسبب السأم وكثرة الضغط والدراسة.

لقد دفنت رأسها في الكتب حتى هُيَأ لها أنها إن تقيأت الآن فستخرج من جوفها مواد دراسية، لكن ليس هذا ما كان يقلق ذهنها الآن.. ابتلعت ريقها وشعرت بأنها فعلا ستتقيأ هذه المرة. إن نجحت في الامتحانات، فستتحم عليها العودة للعراق، ولن تتمكن من اختلاق أي حجج للبقاء هنا.

خاصة وأن زفاف هلال قد اقترب أجله.

ليل كرهت العودة إلى العراق، كانت مشتاقة لأهلها ولكنها تعرف أن البقاء معهم يخنقها. كانت تصاب بالهلع من منزلهم، هناك حيث يلاحقها شبح شمس، معلمتها المضروبة. هناك حيث تستيقظ مخنوقة في منتصف الليل غير قادرة على احتواء غضبها ومشاعرها.

هناك، تنتفض كلما سمعت انكسار شيء ما. تخاف أن تباغتها جثة عمها مبتورة الذراع.

مشطت شعرها بحركة عصبية وجدلته في ضفيرة سوداء تركتها على كتفها. مررت أصابعها على الشعرات البيضاء عن مقدمة رأسها ثم نظرت إلى الشعر الذي تساقط منها وعلق بالفرشاة ملاحظة أن الكمية في تزايد.

رمته في سلة المهملات وأسندت يديها على الحوض محاولة تمالك نفسها. أغمضت عينيها وحاولت التنفس  بانتظام لأن الوقت لم يكن مناسبا لنوبة هلع الآن.

رفعت وجهها ونظرت إلى عينيها الزرقاوين في المرآة، إلى اللون القلق الذي تكره وتذكرت عيون آدم البنية الجميلة، وكيف يتبدل لونهما الفاتح إلى الذهبي حين تداعبهما الشمس.

ودت لوهلة لو أنها كانت هي الشمس.

كانت صورتهما قد أضحت أكثر ضبابية من ذي قبل لأنها لم تره في منامها منذ ثلاثة أشهر تقريبا، منذ آخر مرة تعاطت الحبوب الزرقاء فيها. وكل ثانية من هذه الشهور بدت لها أمدا طويلا من العذاب.

باتت امرأة مسمطة وثقيلة، امرأة بلا أحلام.

أشاحت ليل ببصرها عن المرآة وخرجت بسرعة من الحمام، لن تجد في وجهها شيئا جميلا مهما حدقت فيه، لقد فقدت هذه القدرة منذ زمن.

لقد انكسرت الأشياء مع أول ضلع كسره عمها في صدر زوجته. لقد سقطت محاورها السليمة وانهدم بنيان نفسها.

Comment