المرأة التي فقدت شعرها


عندما استيقظت ليل أخيرا، كانت مستلقية على سريرها وسط الظلام. زفرت نفسا ثقيلا ثم نهضت متألمة من ظهرها المتيبس نتيجة برد المساء الذي تخلل عظامها ولم تقها منه ملابسها الخفيفة.

استغربت أنها نامت كل هذا الوقت ومدت يدها لتتفقد ساعة الهاتف ولكنها أجفلت مرعوبة حين رأست حلقة زرقاء مشعة حول بنصرها الأيمن.

«مـ ما الجحيم!» أغمضت عينيها وفركتهما عدة مرات ثم نظرت إلى إصبعها مجددا وهذه المرة لم ترَ الخاتم الأزرق الغريب.. لم تكن سوى لحظات قصيرة دامت قبل أن تداهما ذكريات ذاك الحلم العجيب.

الجميع يرى أحلامًا مبهمة.. ما لم تفهمه ليل هو لماذا شعرت بالحنين الحزين إليه؟ هل باتت وحيدة إلى حد الشفقة؟ لدرجة أن تحن إلى حلمٍ فوضوي وفتى ناعس قابلته مرة في حياتها؟

نفضت تلك الأفكار عن رأسها قبل أن يثور بركانها ثم نهضت متوجهة إلى الحمام كي تغتسل بالماء الساخن عله يذهب البرد عن عظامها، والعذاب الذي يذيقه الحنينُ صدرَها.

تركت ليل تيار الماء الساخن يبلل شعرها ويغمر سائر جسدها في حين فكرت فيما تحتويه ضلوعها. حزن صامت عميق متشعب في الجزء اللاواعي منها، وكانت هي تبقيه هناك. تتجاهله متظاهرة أنها بخير.

لأنها لا تستطيع احتمال تبعات الحقيقة، فقد سئمت حزنها ويأسها.. إن لم يتركانها هما ستتركهما هي.

جففت جسدها بالمنشفة ثم ارتدت ثيابًا ثقيلة وخرجت من الحمام نحو المطبخ المشترك الذي تتشاركه مع زميلاتها في السكن.

ألقت التحية على كاترين التي كانت منهمكة في مشاهدة أحد أفلام الرعب التي تدمنها في حين خمنت أن إيڤا ما تزال في الخارج مستمتعة بواحد من مواعيد الغرامية العديدة.

تناولت شطيرة جبن أعدتها على عجل ثم أخذت كوب ماء وطفقت عائدة إلى غرفتها. ابتلعت إحدى حبات الفيتامين الزرقاء التي يفترض أن تساعدها على التركيز والدراسة ثم جلست القرفصاء أمام المرآة وفي يدها فرشاة لتسرح شعرها. خللت أصابعها ببطء بين خصله الهائشة وشعور الحسرة قد راودها.

لقد ولدِت بشعر حريري كأنه الليل في سواده وكثافته، ولكن كل ما تراه أمامها الآن هو خصل خفيفة قد فقدت رونقها.

لقد نجت.

لقد أحرقت كل رسائل الانتحار والليالي المليئة بالدموع. تخلصت من الشفرة التي كانت تحملها معها أينما ذهبت تأهبا للانتحار إن هلت القشة التي قسمت ظهر البعير. تخلصت منها ورمتها للأبد.

لم يعد الموت براقا كما كان، ولم تعد ليل تتوق إليه وتتحسر شوقا لملاقاته مثلما كانت تفعل.

ليل لا تمشي في الأزقة المهجورة في محاولة خفية لجعل نفسها عرضة للخطر بعد الآن. ليل لم تعد الفتاة نفسها التي تتقيؤ الطعام الذي تحبه متعمدة لأنها تخشى من المسرة التي يمنحها إياها الطعم.

لا تبكي بصمت فوق الوسادة كل ليلة قبل النوم، ولا تغط لساعات طويلة تأكل النهار والأيام.

لقد أصبحت متزنة الآن. تحرص على سلامتها وتتناول الطعام الذي تحبه بشراهة وتهضمه بسلام. توجد أشعار وطرائف عوضًا عن رسائل الانتحار، ولا شفرات متوارية هنا أو هناك.

إنها ناضجة وسليمة.

لقد نجت، ولكن آثار الحرب ما زالت متشبثة في تفاصيلها الصغيرة؛ وشعرها الحريري لم يعد كما كان.

ليل كانت ناجية، ولكنها كانت أيضا المرأة التي فقدت شعرها.

Comment