الحلم الثالث

حدقت ليل إلى الكأس الفارغ أمامها بنظرات فارغة، مثل الفراغ داخل رأسها. في يدها شريط الحبوب الزرقاء الذي أمسى الآن بحبتين فقط بدل ثلاثة.

لم تعرف إن كانت تعي ما تفعله الآن أم لا، كل ما أرادته هو أن تتخلص من الشعور المقيت في صدرها. كانت مختنقة حقا ومتعبة، غارقة في ألم عميق وبطيء حتى خيل إليها أنها امرأة تعاني آلام المخاض دون ولادة، فصرخة الحياة لن تأتي لتخلصها من بأسها. كانت عالقة في مخاضها إلى أمد لم تعرف منتهاه.

ثقل جفناها العلويان فأحكمت قبضتيها على حافة السرير الذي تجلس عليه متشبثة بوعيها وتساءلت، إن استسلمت الآن لسطوة النوم فإلى أين ستحملها أحلامها هذه المرة؟

انسل وعيها للحظة فسقط رأسها للأسفل وسرعان ما استيقظت مرة أخرى وقطبت حاجبيها لأنها لا تتذكر وجود نافذة على الحائط المقابل لسريرها، خصوصا وأن تصميم هذه كان مختلفا تماما عن طراز النوافذ في ألمانيا.

لم تتمكن ليل من الاستغراق في أفكارها أكثر إذا سرعان ما تيبست في مكانها حينما سقط شيء ما فجأة على كتفها.

أحد ما.

ابتلعت ريقها وشعرت بالقشعريرة بسبب الشعر الناعم الذي دغدغ رقبتها قبل أن تدير رأسها بحذر وترى آدم مستغرقا في نومه فانتفضت ودفعته بعيدا صائحة: «ما- ماذا تفعل؟ أنا لست وسادتك!»

استيقظ الأخير فزعا ونظر حوله بهول دون أن يفهم ما يجري. عيناه محتقنتان بلون أحمر ووجهه يصرخ بالتعب ويحكي أياما من الأرق.

سرعان ما بان الاستيعاب على ملامحه حين لمحها قبل تتغير ملامحه إلى أخرى متذمرة ورمى جذعه على السرير فابتعدت واقفة.

«أنتِ مجددا؟ ليس مرة أخرى.»

ارتفع حاجباها استنكارا من وقاحته قبل أن تنظر حولها متفحصة المكان الذي كانت فيه. بسيط ولكنه نظيف.. نظيف على نحو مريب رغم أكوام الكتب والملازم التي تكتظ فيه.

«أين نحن؟»

حشر آدم وجهه في وسادته وأجاب بصوت مكتوم: «في غرفتي، ماذا تفعلين في غرفتي؟»

لوت ملامحها بقرف من وقاحته وردت ساخرة: «مالذي سأفعله في غرفتك فعلا، اسأل نفسك! كيف لي أن آتي إلى هنا إن لم تستدعني أنت داخل رأسك الـ..» وتوقفت عن هذا الحد لأنها لم تكن معتادة على إطلاق الإهانات.

رفع الأخير رأسه قليلا ونظر إليها بعين واحدة. صحيح، وهل يمكنه أن ينكر؟ ليل كانت تتطفل على أفكاره في الآونة الأخيرة. وقد أقر في داخله سرا أن صحبتها كانت تؤنسه. كان يجد الراحة في حضورها ويسترخي قليلا حتى يتمكن من النوم.

السؤال هو لماذا؟

إن كان هناك شيء واحد  سيشعر به تجاه ليل فسيكون الغيرة والحنق؛ لأنها سرقت اهتمام أمه منه. عادت ذكرياته إلى الوراء مستذكرا أيام طفولته البعيدة. والده كان سائق عائلتهم البغيضة، حيث أفرادها أكثر كسلا من أن يقودوا سياراتهم بأنفسهم وأمه كانت صديقة أمها.

أمها كانت امرأة طيبة وساذجة، ولكن صحتها كانت متدهورة دوما، ومن هنا بدأت والدته تعمل مشرفة على أمور منزلهم وأحبت ليل وأختها كثيرا فكانت تعتني بهما وتحاول تعويضهما عن غياب أمهما المستمر بسبب مرضها. شعر بالحنق مرة أخرى حين تذكر كيف كان عليه أن ينتظر والدته طوال الوقت في منزلهم الفارغ بينما تحظى هي بها فقط لأن عائلتها امتلكت مالا وعائلته احتاجته.

ياللابتذال. 

أصدر همهمة متذمرة من هذه الأفكار المزعجة وانقلب على ظهره يحدق إليها. كانت حالها مزرية مثله تماما، وبدا أنها لم تنم منذ فترة، مثله أيضًا. هناك هالات سوداء أسفل عينيها الزرقاوين وبضع حبوب على ذقنها وصدغيها بينما كان شعرها مرفوعا على نحو فوضوي وقد تناثرت من الشعرات القصيرة هنا وهناك لتجعلها تبدو أكثر إهمالا.

فجأة غمره شيء من الذنب والانتماء نحوها.. حتى على الرغم من حياتها المترفة والفرص الضخمة المتاحة لها لم تبد هذه الفتاة سعيدة، وهو ما أطفأ شيئا من الحنق في صدره.

هو لم يكن سعيدا أيضا، هو تعيس دائما لأن حياته صعبة ومتقشفة، ودراسته متعبة جدا، مرهِقة وضخمة، كثيرة حقا على جسده ورأسه وأعصابه. آدم كان متعبا.

آدم شعر دائما أن كل شيء يستهلكه. الحياة تستنفذه باستمرار دون أن تعطيه فرصة للراحة، للنوم، للسرور، للغبطة، للسعادة.

آدم كان فارغا على نحو مرهق.

وليل بدت فارغة مثله، وهو ما جعله يتعاطف معها، بل وحتى يشعر بالمواساة برفقتها. برفقتها آدم لم يكن شاذا بتعبه، بفراغه، بنحوله.

«إنه لمن الوقاحة أن تحدق إلى الآخرين لفترة طويلة، خصوصا مع تلك التعابير المتقززة على وجهك.»

قطعت سلسلة أفكاره فانتبه أنه حدق فعلا لفترة طويلة وقرر تغيير الموضوع قائلا: «لم ترتدين زي المشفى، لا تخبريني أنك جلست على سريري بكل هذه الجراثيم.»

عبست في وجهه وهزت رأسها بيأس قبل أن تجلس على الأرض بجوار سريره وولته ظهرها. «كنت في تدريب في المشفى الجامعي.»

وضع ذراعه أسفل رأسه وتحرك قليلا كي يحصل على وضعية مريحة ثم تمتم: «أيا يكن.»

تنهدت بعمق وقررت فقط الجلوس الاسترخاء أخيرا بعد أن كاد الإنهاك يقتلها. شعرت فجأة أنها مدمنة، كانت تتوق للحبة الزرقاء التي بدت مثل إثم يجثم على كاهلها.

الحبة الزرقاء كانت خلاصها من العناء، وذنبَها. ليل كانت أضعف من أن تقاوم ذنبها، كانت متعبة وضعيفة وانصاعت لإغوائه، بحثا عن شيء من الأنس، العزاء.

بحثا عن آدم، والألفة التي تصاحبه.

نظرت إلى الحلقة حول إصبعا وكانت متأكدة أن واحدة مطابقة موجودة حول خاصته.

قالت هربا من أفكارها التي خنقت الصمت: «أستدعيك أسفل أضخم وأروع أشجار العالم وأنت تستدعيني إلى غرفتك، هل أنت منحرف أم ممل؟»

شعرت به يرفع جذعه خلفها وتحدث شاعرا بالإهانة: «غرفتي هي أحد أروع وأنظف الأماكن في العالم يا هذه، من يدري كم الطفيليات والجراثيم التي يمكنها أن تتواجد حول شجرة، هل لديك حس بالنظافة حتى؟»

رفعت حاجبها باستنكار واستدارت هي أيضا بجذعها لتواجهه، حسدته مرة أخرى على لون عينيه البني الهادئ وقالت: «إنه حلم، آدم. لن تصاب بعدوى، إلهي، كم أنت غريب!»

فتح فمه ليرد ولكن صوت امرأة تنادي باسمه أوقف جدالهما وسرعان ما شعرت ليل بالدماء تهرب من وجهها. هي تعرف صوت هذه المرأة، لطالما أحبته.

وقفت بطريقة أجفلته وقالت: «خبئني.»

بدا مصدومًا من تصرفها وتمتم بعدم فهم: «عفوًا؟»

نادته أمه مرة أخرى وصوتها اقترب مما جعل الأخيرة تهلع أكثر: «هل تظن أنني سأترك ماما ليلى تمسك بي لتظن أنني دخلت غرفة شاب غريب؟ بسرعة خبئني!»

وقعت ملامح آدم تحت سيطرة الذهول تماما قبل أن ترتسم على وجهه ابتسامه غير مستوعبة، جعلته جميلا جدا. ليل لا تتذكر رؤيته يبتسم أبدا.

«إنه حلم، ليل. زائد، أنت فعلا في غرفة شاب غريب.»

«حلم أم لا، إنها ماما ليلى. لا يمكنني تخييب ظنها بهذه الطريقة بعد كل ما علمتني إياه. ثم لم أدخل إليها، أنت استدعيتني أيها الممل المنحرف!»

ماما ليلي.. ليلى أمه هو، وليست أمها.

عبس وجهه كما لو أن كلامها لم يعجبه وقال: «لمَ تجعلين الأمر يبدو كما لو أننا نرتكب الرذيلة. أنا لست منحرفا، أنت تتطفلين على أحلامي.»

«أنتَ من تتطفل على أحلا-»

تحركت قبضت الباب فشهقت بطريقة وجدها آدم مبالغة بها وانحنت لتختبئ أسفل سريره جاعلة حاجبيه يرتفعان بدهشة ووجد نفسه يضحك على سذاجتها.

«أناديك منذ فترة يا آدم!» نهرته أمه بعد أن دخلت الغرفة وتسائل لم عليها أن تنهره حتى في أحلامه.

«آسف، كانت هناك حشرة مزعجة شتت انتباهي.»

أومأت الأم متفهمة وقالت: «لا شك في ذلك، أنت تكره الحشرات.. على كلٍ، هل انتهت المطبعة من دعوات الزفاف، أنت لم تُرني كيف تبدو عندما أرسلت النموذج وحذفته بعدها!»

وضع يده على جبينه وتذمر داخليا لأنها فعلا تسأله على دعوات الزفاف كل خمس دقاق على أرض الواقع.. باستثناء أن الزفاف كان لأخيه.

«سينهونا الأربعاء أمي، تحدثنا في هذا سابقا.»

«ماذا لو كتبوا اسمك بهمزة القطع بدلا من الهمزة الممدودة؟ أنت تعرف أنني أنزعج كثيرا عندما يكتبون اسمك بطريقة خاطئة.»

قلب عينيه بسخط وتمتم أسفل أنفاسه: «الرحمة من هذا الكابوس!» شقيقه يتزوج ويحصل هو على الأحلام المخيفة بأنه من سيعلق مع أحدهم إلى الأبد. ارتعش جسده ثم قال دون وعي: «أماه، أفيقي، إنه زفاف أخي وليس زفافي أنا. ولا أحد سيكتب هلال بطريقة خاطئة، لا يوجد همزات في الاسم حتى!» وابتسم جانبيًا: «إلا إذا كتبوا اسمه مكان اسم زوجته، بما أن اسمه هلال واسمها يمان.»

بجدية، أين وجد عروسا اسمها يمان؟ من يسمي ابنته يمان أصلا؟ لكن مجددًا، من يسمي ابنه هلال؟

وكأن أمه متآمرة في هذا الكابوس قالت: «أعرف أنك شخص خجول عندما يتعلق الأمر بهذه الأشياء، ولكن هذا لا يعني أن تتملص من زفافك. ولا تسخر من أخيك الكبير يا قليل الأدب.»

سقطت ملامحه بيأس من هذه المحادثة وقرر أن ينهيها قائلا: «أعتقد أنني سمعت ابنك المدلل يناديك، لم لا تذهبين وترين ما خطبه؟»

رمقته ليلى بنظرة حادة قبل أنت تخرج من الغرفة فتنهد بتعب. لم ظهرت فجأة في حلمه؟ هل لأنها كانت حزينة أن ليل لم تكن تجيب على اتصالاتها وتتحدث باستمرار عن مدى شوقها لها؟

تذكر أن الأخيرة ما زالت موجودة فانحنى أسفل السرير مع ابتسامة ساخرة على وجهه وقال: «هل أنتِ متأكدة أنك في الحادية والعشرين- آخ! ماذا تفعلين!»

انكمشت ملامحه بألم حين قرصت أذنه قويا قبل أن تزحف من أسفل السرير وتمتمت بغضب: «قال حشرة قال. أنت بالفعل بحاجة إلى دورات تدريبية لتحسين السلوك.»

«تقول الفتاة التي تعدت علي بالعنف توًا.»

«يقول الفتى الذي يخلو حديثه من كل أشكال الذوق.»

قلب عينيه من لسانها الطويل ثم قرر أنها بقيت هنا فترة طويلة وقال: «لمَ مازلت هنا على أي حال؟ اذهبي إلى شجرتك واتركيني أنعم ببعض السلام.»

«وكأنني لو كنت مخيرة كنت بقيت هنا، ولمعلوماتك.. أنت الشخص صاحب فكرة الزواج هنا بسبب أخيك، وإلا لم سأفكر فيه أنا؟ أنا أتزوج فقط في كوابيسي وأهرب قبل أن أستيقظ.»

اتسعت عيناه باستنكار على هذا الاتهام: «عذرًا؟ أنا أشعر بالحكة لمجرد رؤية تلك الفساتين البيضاء الضخمة السخيفة! من المستحيل أن أفعل هذا بنفسي ولو حتى في الأحلام.»

ابتسمت ساخرة في وجهه: «أنت بالفعل فعلت، ولكنك ورطتني معك.»

«هذا خطؤك في المقام الأول. لو كنت تجيبين اتصالات أمي لما اضطررت أن أستمع إلى تذمرها بينما أعد الفطور وأفرز باقات الخضرة معها كل صباح. ليل ليل ليل.. الرحمة يا فتاة، إما أن تتركي واقعي أو تتركي أحلامي!»

بدا القلق على ملامحها وردت: «لـ لم أدرك أنها كانت منزعجة إلى هذا الحد.. كنت أبقى في الجامعة طوال الوقت وأعود مباشرة لأدرس. لم أعر انتباها لهاتفي.»
من الجيد أنها كانت ترد على والدها وإلا لكانت في مشكلة كبيرة الآن.

أشاح الآخر بوجهه متمتما: «على قدر ما يزعجني الاعتراف بهذا ولكنها تحبك حقا. لا تكوني جاحدة وردي عليها.»

«ليس وكأنني تجاهلتها عن قصد. سأحادثها فور ما أعود. أنا أحبها كثيرا أيضا.. إنها أمي.»

نظر إليها بملامح فارغة وقال بامتعاض: «إنها أمي أنا. أنت لديك أمك لذا ابقي بعيدة عن خاصتي.»

طالعته بلا تصديق قبل أن تبتسم مذهولة: «وتقول أنني طفولية!»

«أيا يكن.» هز كتفيه بلا مبالاة واضعا حدا لهذا النقاش ثم اعتدل بجلسته بجانبها على الأرض وأسند ظهره على حافة السرير خلفهما.

«هل لديك امتحان جراحة؟» سألت فجأة قاطعة الصمت فقطب حاحبيه مستغربا: «كيف عرفتِ؟»

أشارت إلى مرجع غرايز الضخم ذي الغلاف الأسود اللامع وقالت: «عيني ترصده مثل الرادار، إنه بمثابة كابوس أنيق.»

ابتسم قليلا على وصفها المناسب. الطب كان ممتعا، حقا، والكتب والمراجع الخاصة به جميلة المظهر ولكنه يتحول إلى كابوس حقيقي في بعض الأحيان.. عندما تجد نفسك متعبا من ضغطه اللاعقلاني، والقسوة التي يلاقيها رواده وطلبته في أغلب الأوقات.

سألته ليل بنبرة هادئة: «لم قررت أن تدرس مجالا مثل هذا، آدم؟»

كان يعرف متى يأتي هذا السؤال، يطرحه طلبة الطب عندما يريدون أن يبدأوا جلسة عزاء يندبون فيها اختياراتهم في الحياة، ولكنه كان قد انتهى للتو من جلسة مشابهة مع نفسه وانتهت باستسلامه للحبة الزرقاء.. كي لا يفقد عقله من الضغط والحيرة والندم، مشاعر مرافقة لفترة الامتحانات.. لذلك هز كتفيه وأجاب بعقلانية: «لعدة أسباب، خُدعت بالمسلسلات الطبية، أردت شيئا يبقيني مشغولا على الدوام لأن الفراغ خطر علي، أردت حجة أتهرب بها من الزواج، المجال له مستقبل جيد هنا وعلى مستوى العالم.. أشياء كثيرة ليس من ضمنها إنقاذ حياة الآخرين، لست مهتما بالجنس البشري.»

جملته الأخيرة جعلتها تضحك وتهز رأسها، أحد الأشياء التي جعلت آدم يعلق في ذاكرتها كان قلبه الرقيق رغم طبعه الفظ. ما زالت تتذكر تلك المرة التي ظل يبكي فيها بعد أن شاهدا فيلما وثائقيا عن مرضى السرطان. هو بلا شك مهتم بإنقاذ الأرواح، هل يخدع نفسه؟

«لم تضحكين؟ ماذا عنك؟»

ماذا عنها؟ تصلب جسدها عندما صعدت الإجابة إلى حلقها؛ لأنها مهووسة. ليل كانت مصابة بهوس غريب تجاه الأشياء المكسورة والتالفة. في صغرها، كانت تقضي ساعات في محاولة ترميمها وإصلاحها.. النظارات المكسورة التي خاطت ذراعها، وكتاب الطبخ ذي الغلاف المتهتك الذي أعادت إلصاق كل ورق ممزقة فيه، والدمية المتسخة التي غسلتها وصنعت لها شعرا جديدا من كرات الصوف والكثير غيرها.

نظرت إلى كفيها وتذكرت كل الأشياء التي  أفسدت روحها.. أيادٍ مبتورة، نفوس ممزقة، خصل متساقطة، عظام مكسورة.

نظرت إليه بتردد وحذرته أن يضحك ثم قالت: «أعتقد.. أعتقد أنني أردت إصلاح الآخرين. الطب بدا مهنة مناسبة.»

نظر آدم إليها هنيهة قبل أن يضحك بصدق على ما قالته، ومع أن ليل حذرته إلا أنها لم تمانع.. فقد بدا آدم جميلا عندما يضحك، بدا أنه كان محتاجا أن يضحك، لأن عينيه البنيتين الفاتحتين لمعتا بمسرة حقيقية، ورموشه الناعمة منحته طلة مريحة وهادئة.

الانتفاخ أسفل عينيه من قلة النوم، والعروق البارزة في صدغيه من فرط التعب وشعره المبعثر جعلوا سعادته تبرز أكثر، وتغدو أجمل.

شخص كئيب ومتعب مثل آدم، ضحكته كانت ثمينة.

«أنت ساذجة حقا، ولكن هذا يناسبك.» قال عندما هدأ ثم بدأت عيناه ترتخيان ورأسه أصبح ثقيلا على نحو لذيذ، وي كأن هذا الثقل المخدر كان ضيفا مُنتظرا على أحر من الجمر.

شيئا فشيئا انسل وعيه منه وسقط رأسه على كتفها. دغدغت خصله البنية الناعمة جلدها ولكنها لم تمانع هذه المرة. لـ لأن.. لأن هذا حلم بعد كل شيء، صحيح؟

ولأن آدم كان يبعث شعورا جميلا بالسكون، وأنفاسه المنتظمة الهادئة بعثت السلام في نفسها، أنفاسه ملأتها بالراحة.

«حظا موفقا في الاختبار.» تراقصت كلماتها الهامسة على أوتار الصمت. ثم ارتخت عيناها الزرقاوان هي أيضا.

Comment