آدم الوقح

ارتفعت نغمة رنين الهاتف فانكسر سكون الشقة وأجفلت ليل مستيقظة من نومها. تأوهت من للصداع الذي داهم رأسها ونهضت قبل أن تصحو بالكامل فسقطت من على الأريكة التي غفت عليها وسقطت معها حقيبتها.

عظامها وذاراعها كانا ينبضان بالألم حين حملت الهاتف وضيقت عينيها بصعوبة لتقرأ هوية المتصل.

«مرحبًا» ردت على الهاتف ونهضت لتشعل الأضواء ولكن لم تصلها إجابة من الطرف الآخر فكررت مجددًا: «ماما ليلى، هل تسمعينني؟»

«ليل.» جاءها الرد بعد صمت فتجمدت في مكانها من الصدمة، هذا ليس صوت امرأة. نظرت إلى هاتفها مجددًا لتتفحص هوية المتصل وقد كان الاتصال فعلا من هاتف ليلى.

«إنه آدم.» قال مجددًا حين لم يصله ردها. هذا صوته، كانت متأكدة، لقد سمعته في الحلم قبل قليل.

إنه آدم فعلًا. شعرت بأن قلبها سينفجر، هذا غريب جدا ومريب أيضا.. أن تحلم بشخص لم تره منذ سنوات ثم تستيقظ على اتصال منه.

تداركت نفسها أخيرا وقالت بصوت مرتجف: «آ- آدم، هل كل شيء بخير؟ من الغريب أن.. تتصل.»

«أجل.» رد باقتضاب، هل يدفع هذا الفتى مالًا على كل كلمة؟ ما بال جُمَله القصيرة!

«كفي عن الهرب.» قال فجأة ينتزعها من أفكارها، ليل ظنت لوهلة أنها ما زالت تحلم. «كفي عن إضاعة فرصك في رؤية الأشخاص الذين تحبينهم بينما تستطيعين فعل ذلك؛ لأنك ستندمين في النهاية.»

كان يؤنبها، نبرته غاضبة ولائمة، ولكن عقل ليل مشتت جدا، كل هذه الأحداث المفاجئة صعبة الاستيعاب. لم تفهم شيئا من كلماته الغامضة ولكن جملة واحدة باغتتها على حين غرة.

  كفي عن الهرب.

أخبرته بتردد: «لا أفهم شيئا مما تقوله.»

«لقد قلت ما عندي.» رد بنفاد صبر ثم أغلق الخط في وجهها.

«ما؟» نظرت إلى الهاتف باستنكار، آدم الوقح!

سقطت يدها التي تحمل الهاتف بجانبها وطأطأت تنظر إلى الأرض حيث تناثرت حاجياتها حين سقطت حقيبتها المفتوحة. ثم لمحت ذلك الكتيب الصغير يحمل عنوانه الألماني الأنيق، مركز زفايتش للتأهيل النفسي.

انحنت ليل وحملته، كلمات آدم تدق مثل ناقوس جدران عقلها. ربما.. ربما حان الوقت للحصول على المساعدة.

***

مسح آدم بيانات الاتصال ثم نظر إلى الهاتف بملامح فارغة، لا يصدق أنه قد فعل ما فعله. استند على سور حديقتهم كفه المتعرقة تقبض على شريط الدواء الشائك الذي جرح باطن يده.

أخرج الحبة الزرقاء منه ثم رماها على الأرض ودهسها بقدمه عدة مرات حتى تحولت إلى مسحوق أبيض اللون.

توقف ونظر إليها، تلك الحبة التي لم يكن يستطيع النوم بدونها. كان عليه أن يبقى مستيقظا بينما الجميع نيام، يستمع إلى السخط والأفكار السوداء في رأسه.

لم يكن شيء ليفلح غيرها، مهما درس، مهما جرى في شوارع بغداد الحارة، مهما استحم وفرك جلده حتى يكاد يسلخه.. لم يكن الأرق ليتصبب مع عرقه أو ينساب من على جسده مع الماء، والإنهاك يبقى، يفتك بجسده وروحه.

يستفزه ويفقده آخر  ذرات عقله، يقوده إلى الجنون.

لم يستطع النوم دون الحبة الزرقاء، شعر آدم بالإدراك يصفعه على حين غرة. إنه يعرف أن خطبا ما به، وأن هذا الخطب سيودي به، وسيحوله إلى شخص أقل صبرا وأقل عقلا بمرور الأيام. آدم كان بحاجة إلى طبيب يداوي خطبه.

تنهد ونظر إلى السماء بعين بنية مرتخية، متعبة، ثم صعد إلى الأعلى وهاتف العيادة النفسية في مشفاهم الجامعي؛ أملا في أن يتعافى.


انتهت.

Comment