مذكرات جي يونغ 3

النعيم المفقود


مـــــــGDـــــذكرات


( : أرجوك أيها الرب .. احميها ، أعدها لي .. أرجوك أن تحفظها )


هذه الحروف لم تنفك عن شفتاي طيلة الوقت .. ارددها بكل حواسي ، لبثت في هذا المكان لأيام اجهلها لم أحصيها حتى .. أراقب شمس الصباح و هي تشرق و بكل شعاع يخرج من الفراغ أهمس بإسمها .. بكل دفء يلامس يداي المرتجفتان أهمس بأني أشتاق لها ..


( أشتاق لك .. لا أقوى على العيش من دونك ، إنني اختنق بهواء لا توجدين به ... ذبلت عيناي بإختفائك )


كان في كل مرة يتقرب مني الراهب ليعلم ما قصتي أرفض أن تخرج حروفي مع شخص غيرك فألتزم الصمت و بعد العديد من المحاولات يغادر خائبا و نظرات الحزن و الشفقة تملأ عيناه على حالي .... يقدم لي الطعام كما حال القطة التي تزوره في كل يوم طالبة للطعام ، لكني غير تلك القطة فمجيئي إلى هنا غير الذي تريده هي .. لم يكن الطعام و الهدوء مقصدي و إنما أن يلبي الرب مطلبي و يردها لي لأعشقها من جديد .. ليؤرخ حبنا كما تلك الليالي التي قضيناها سويا بعيدا عن كل بشر ....


في ذلك اليوم حيث لم أعد أستمع لنبض قلبي كما العادة و الضباب في عيناي طغى على كل شيء ، رأيت من بعيد الراهب يسير راكضا نحوي و عندما خيل لي أنه هي أغلقت عيناي و قد شقت إبتسامة هادئة على شفتاي الجافتين ..


( شعرت بالآمان حينها فطيفها يقترب مني )


.....


بعد عدة دقائق شعرت بوغزة في يدي و أصوات العديد من الناس حولي عاد تنفسي لطبيعته و قد وضع على وجهي قناعا طبيا يدخل الاوكسجين لداخل رئتي .. و في يدي شعرت ببرود قد إكتسى عروقي أدركت بعدها أنه ربما مغذي وريدي ..


( ويحكم ألا تعلمون أن هذا ليس دوائي .. دعوني أشتم عطرها من بعيد دعوني أتنفس أنفاسها حينها سأستعيد وعي و صحتي بالكامل )


كنت أستفيق لدقائق و أعود لعالم الآحلام ساعات كثر ، تعجب الأطباء لحالي فقد مر على غيبوبتي وقت طويل لم يكونوا يعلمو أني هناك برفقتها في البساتين الخضراء و بين الزهور الفواحة .. أرقص برفقتها على أنغام أغنية صنعنها بأنفسنا يتطاير ثوبها في الهواء كما هو حال خصلات شعرها التي تداعب وجهي و يداي تحيطان خصرها الرقيق .. أمد لها يدي لتدور حولي و ضحكاتها تملأ المكان أقربها مجددا مني لأخطف عدة قبلات حارة من بين شفتيها و عنقها لتبتعد خجلة و عيناها ترسلان لي من دون حياء بطلب المزيد ....


شعرت بيدين دافئتين تضمان يدي ففتحت عيناي و أنا أسترق النظر من عالمي لأرى الراهب و الدموع بعيناه على حالي .. دموع صادقة لا أشك بذلك البتة .. إبتسمت له بإمتنان فإقترب مني و قال بلهفة ( : هل تراني ؟! .. هل تسمعني ، أيها الشااااب .)


شددت على يده و همست بضعف ( : إني آراك . )


قرب يدي من يده الأخرى و ضمهن لبعض و بدأ بالدعوة و شكر الرب بأني بحال جيد ...


مسكين أنت أيها الراهب ، لا تعلم ما الذي يعتصر قلبي ، لست بخير .. أستطيع أن أصرخ بها ليسمعها كل من في الأرض


( لست بخير .. فهي ليست بجانبي )


ساعدني في تعديل وضعية جلوسي و أبعد القناع الطبي عن وجهي بخوف خشية أن تتوقف أنفاسي مجددا لكني أثنيت على فعلته و أبعدته أيضا .


الراهب ببكاء ( : ما الذي جرى لك يا بني ؟! )


نظرت له و الدموع بعيناي (: إني أشتاق لها . )


ضمني لصدره و إجهش بالبكاء ، لم تستطع دموعي المكابرة أكثر فإنهمرت على كتفه فمنذ زمن لم أحظى بعناق دافئ كهذا فالأيام التي قضيتها في الكنيسة و هنا في المشفى لا أعلمها بعد .. لأكون صادقا عناقها الوهمي هو ما يمدني ببعض القوة الآن ، قبلاتها الخيالية هي ما تجعل من حروفي تخرج للعلن الآن .. لمساتها التي بذاكرتي هي الدافع الوحيد لتحريك يداي ..


سألت عن الوقت فأجابني أنه مر الكثير ، لم أبالي لشيء سوا أن تكون قد عادت لمنزلي و أنا كالأحمق أبحث عنها خارجا رفعت الغطاء عن جسدي نهرني عما أفعل .. أبحقك تطلب مني المكوث أكثر ... أشرت له برأسي نافيا و غادرت راكضا بما تبقى لدي من قوة ، سار خلفي بخطوات هرمة محاولا أن يعرف إسمي او أي معلومة عني كي لا أسقط وحيدا مجددا من دون وجود أحد بجانبي لكني لم أكن أستمع لصوت سوا صوت قلبي الذي إستفاق الآن من حالة الغيبوبة التي أصابته لمدة شهرين و لم يسمح لعقلي بالتفكير و لو للحظة بإحتمالية عودتها ...


جبت الشوارع و الطرق راكضا لم أبالي لأي تغير قد حصل طيلة الشهرين الماضيين فبنايات جديدة قد بنيت و طرق قد غيرت مساراها .. أعلم أين طريقي ، لمنزلي ثم للجامعة ثم لم أفكر بما سيجري بعدها ، فتحت الباب بقوة و نبضات قلبي تتراقص ليفاجئني الصمت والهدوء الذي ما زال يخيم على المكان إتكأت على الحائط و أنا أرى طيفها يتراقص هنا و هناك في هذا المكان الذي قد إعتاد على أن يكون قفص لحبنا المقدس .. بدأت أهبط شيئا فشيئا لينتهي بي الأمر جالسا على هذه الأرضية الباردة و دموعي قد شقت طريقها لتعانق الأرضية علها تدفء قليلا ...


أصابتني حالة من الهلع فإن كان أول إحتمال كانت نتيجته هذه .. ليست موجودة و لا حتى رائحتها بقيت على فراشي ولا على وسادتي ... لم تعد رائحتها موجودة في هذا المكان ، لعنته .. كيف لك أن تتخلى عنها ، لقد صنعت منك جنة .. و أنت كالشمس تسحب أشعتك عن الأزقة الباردة ليلا بلا أي رحمة .. مسحت دموعي و سرت بإتجاه الجامعة و أنا أردد أن أجدها هناك ... أضم كلتا يداي و أدعوا الله بكل صدق ، تنمهر دموعي رغما عني و أعود لمسحها مدعيا القوة .. سأفقد عقلي إن لم أجدها ، سأفقده .. سأفقده .


دخلت أسوار الجامعة و كانت جميع الأنظار حولي فذقني قد نما كما هم رجال الكهوف و ملابسي الصيفية لا تناسب ما حال عليه الجو بمرور هذه الشهرين .. لقد توقف زمني منذ آخر لحظة كنا معا ، لن ألقي بالا لكلامكم و ما تتفوه به ألسنتكم .. فقط أخبروني أين هي ؟!


كنت أسأل من كانوا على علاقة بها لم يعرفوني لم يدركوا أني جي يونغ الأول على هذه الجامعة فهذا الشاب الرث الآن يظهر أنه متسول يبحث عن فريسته أو سرقة جديدة .. كانوا يتجنبون الإجابة على أسئلتي التي إنهمرت عليهم كالمطر بحروف كلها شوق و ألم لها ... لم يجيبوني .. صرخت بهم .. لعنتهم ، ألقيت المقاعد بيداي بعيدا لتغدو قطع خشب متناثرة لحظات حتى جاء الأمن الجامعي و أحكموا إمساكي و ألقوني خارجا ..


أجيبوني أين هي ؟! فليخبرني أحدا عنها بحق السماء .. أرجوكم .


من بعيد نظرت للجامعة و أنا أمقتها .. جلست على الأرضية منتظرا خروج اي احدا لأسئله مجددا ، خرجوا رفاقها و عندما لم أسأم من سؤالي عنها تلقيت عدة ضربات و لكمات في جسدي بعد أن ضاق ذرعهم مني ... رفعت رأسي بعد أن ألقي بي على الأرضية و نظرت لهم من بعيد ...كانت الدماء تنهمر من شفتي و جبيني من دون أن أدرك .. تذكرت أول لقاء لنا حيث عاد المشهد نفسه أمامي لأجدها واقفة تنهرهم عن مواصلة ضربي .. إبتسمت و قد أعلنت جنوني .. ضحكات كانت بهمس من ضعفي لتغدو صراخا و بكاء .. هرب جميع من حولي خوفا من جنوني ... بت أتساءل عن حقيقة وجودها حقا .. هل هي خيالا قد رسمته و عشقته أم ماذا ... توارت اشعة شمس الشتاء في الأفق فنهضت على أقدامي و قد غسلت قطرات المطر دماء جسدي و ووجهي سرت من دون اي هدى ... طريق لا اعلمه .. حينا أضحك و حين ابكي على حالي ، عدت لتلك الكنيسة فإستقبلني الراهب بحرارة و هو يتفقد جروح وجهي و جسدي .. يؤنبني حينا و حينا يداوي جروحي ، قدم لي حساء دافئا و عندما سأم من أني سأشربه بدأ بإطعامي اياه كنت اشعر بطعمه كالعلقم جزءا منه يدخل لجوفي و جزءا يبلل ذقني و عنقي ..


( : لا يجوز ان تفعل هذا بنفسك ... )


قال كلماته هذه فنظرت له مطولا ثم القيت بجسدي و ضممت قدماي لصدري كنت اشبه بطفل صغير قد اضاع والدته ، تنهد تنهيدة اشك انها قد وصلت آخر البلاد ثم نهض و جلب غطاءا صوفيا و دثرني به ، لأغلق عيناي غارقا في عالم زمردي يحويني انا و هي فقط .....


إستيقظت من عالمي الخاص على صوته مجددا ، فتحت عيناي لأجده بملابس غير تلك التي كانت عليه أدركت حينها أنا قد دخلنا ليوم جديد .. يوم آخر قد إنقضى و أنا بعيدا عنها


( : لتتناول طعامك .. ) قالها بحدة و قد فقدت حروفه الرفق مدعيا ، عدلت من جلستي و تناولت برضوخ و كأني أخشاه .. كنت أتناول القليل من الطعام في الملعقة و أتناوله ، جاء صوته مجددا بنفس الحدة ( : تناول المزيد .. هيا ) لم يكن بي قوة على مجابهته فلبيت مطلبه شعرت حينها بأني إستعدت قوتي .. ربما بسبب هذا الحساء قد أتمكن من المسير عدة خطوات أخرى ، تناولت المزيد لأخرج مجددا باحثا عنها .. سأبقى هكذا حتى أجدك سيلفا ..


أنهيت طعامي بإنتهاء الطبق رأيت إبتسامة حاول إخفائها عني ، قال لي و هو يبعد الوعاء من أمامي ( : ما إسمك ؟! )


إبتسمت بإمتنان فمن في هذا الزمان يسمح لمتشرد مثلي بالبقاء بجانبه مدة طويلة من دون أن يعرف أي شيء عني سوا أني فتى واقع بالحب .. فتى فقد عقله بسبب الحب ، لربما أصابه الشك عدة مرات من أنها موجودة حقا أو أنه أدرك أني فاقدا للعقل بشكل كامل ...


( : جي يونغ .. )


أجبته و أنا أناظر سترة كان قد وضعها بجانبي ، إلتقطتها و كنت سأنهض لولا يداه اللتان أمسكتا بيدي بقوة .


( : إلى أين تحسب نفسك ذاهبا ؟! )


نظرت له من دون أن أبوح بحروفي التي ستغضبه ، فتابع بغصة ( : هل ستذهب للتلقى الضرب مجددا .. هل ستذهب لتفقد وعيك مجددا ، إستفق على نفسك و إلا ذهبت بك لمركز البوليس . )


إبتسمت بإستهزاء لربما هذا الخيار الأفضل لأجدها ( : هل بإمكانك ذلك ؟! )


رأيت نظره الذهول التي سكنت عيناه على ردي فتابعت ( : لربما أجدها بوقت أقرب .. )


أغلق عيناه بألم و عندما فتحهن رأيت بريق الأمل بعيناه هل راقت له الفكرة حقا ، نهض على قدميه الهرمتان و أشار لي بإرتداء السترة ....


دخلنا لذلك المكان كنت أناظر من حولي بخوف و كأني مجرما آتى ليعترف بجرمه .. بحبه ..


تقدمني بخطوات ليبدأ بالحديث مع أحد رجال البوليس لحظات حتى إلتف لي فإقتربت بخطواتي المترددة .


( : ما إسمك أيها الشاب ؟ )


أخبرته عن إسمي و عندما عبث بحاسبه للحظات نظر لي بغرابة ، إرتعش قلبي من تلك النظرة ..


( : هناك بلاغ بفقدانك أتعلم ذلك ؟! )


بحثت بداخلي عن معنى هذا الكلام فأدركت أني لم أفكر و لو للحظة بأصدقائي أو بعائلتي فقد سلبني حبها من كل شيء حتى أنفاسي التي لم تعد ملكي ، تجمعت الدموع بعيناي عندما مر طيفهم من أمامي ، تنهد الراهب براحة بينما بدأت أخبر الرجل بمواصفات سيلفا .. بكل شيء أعرفه عنها إسمها لون شعرها و بشرتها ، أين تسكن .. كنت أحدثه و بداخلي أتوق لرؤيتها الآن ، بينما كانت نظراته غير مبالية عندما إنتهيت طلب مني رجل البوليس الإنتظار على المقعد قليلا .. فذهبت للجلوس برفقته الذي ما تزال تلك البسمة الصادقة على شفتيه ، كنت أراقب رجل البوليس عن بعد بين الحين و الآخر ، مر من الوقت القليل حتى فتح باب المركز و دخل منه قلوبا أدركت توا كم أني أشتاق لها إقتربوا بنظرات مملوئة بالدموع .. بالحزن .. بالعتاب ..


إقفزوا لعناقي كما كنتم تفعلون .. إضربوني كما إعتدنا ، لا تكونوا قاسين هكذا، قلتها بحسرة بعد أن توقفوا بعض الوقت من دون أي حراك ، إقترب توب و إنحنى للراهب و كذلك فعل البقية كنت أناظرهم واحدا تلو الآخر لأعيد تلك الملامح لذاكرتي الحمقاء التي لم تطرق علي بأنهم كانوا يوما جزءا من روحي ..


أصبحوا أمامي ما زلت أنتظر لحظة جنونهم ، بالله عليكم عودوا كما كنتم .. نظراتهم أجابتني بحرقة ( : و إن عدنا .. هل ستعود لحالك جي يونغ ؟! )


نظرت لهذا السؤال مليا هل سيأتي ذلك اليوم الذي أكون به محرر من لعنة حبها ؟!


أهدى الراهب رجل البوليس إبتسامة إمتنان ثم أمسك بيدين دي سونغ قائلا ( : شكرا لقدومكم .. سأكون مرتاحا الآن . )


إقترب مني و ضمني لصدره و يداه تربتان على ظهري شكرا لك شكرا لكونك الوحيد الذي أثقلته برؤيتي منكسرا ، مريضا و مرهقا طيلة الأيام الماضية .. إبتعد عني قليلا و نظرته تطلب مني بتوسل أن أتوقف عما أردد في داخلي فساد الصمت بحروفي الصامتة ، رأيته يغادر المركز و قد بدت خطواته أكثر راحة فقد أعادني لمكاني الصحيح .. بينهم هم أصدقائي .


عدت للنظر لهم لم يتمكنوا من إدعاء القسوة حيث إنهمرت دموع فرحهم و راحتهم .. كان الأول بهم هو سيونغ ري ذاك الذي يمتلك قلب حساسا أقربهم إلى قلبي إقترب مني و ضمني و كأنه لم يراني منذ عشرات السنين أنبني بحروفه المتلعثمة بدموعه حينا يذكر والداي و حين يذكر والده الذين لم يأتيهم النوم أبدا بقلقهم علي .. إقترب توب ثم تا يانغ و آخرهم كان دي سونغ كان ما يزال يحتفظ بدموعه بمقلتيه بكبرياء كما إعتدنا حاله ، قبل لحظات كنتم غائبين عن مخيلتي تماما ها هم الآن يملؤنها بالكامل بوجود سيلفيا في قلبي بالطبع .. غادرنا مركز البوليس بإتجاه منزلنا كان الصمت رفيقنا السادس طيلة الوقت حتى وصلنا للمنزل دخلته و بداخلي أحترق ألما .. جاب من أمام مخيلتي أربعتهم و هم يبكون غيابي ، بعضا منهم إدعى القوة ليخفف على الآخرين و بعضهم لا يستطيع الكذب أبدا فينتهي به الحال باكيا على وسادته .. أعتذر لكم لربما ما زالت الوسادات رطبة من كثرة دموعكم لكني حين مجيئي آخر مرة لم أتفقد سوا رائحتها .. لمساتها عوضا عن وسائدكم ، لابد أني أكبر أحمق في الوجود ....


ألقى علي تا يانغ ملابس نومي التي قد أخرجها للتو من الخزانة ( : إرتديها .. )


نظرت لها ثم له مجددا وقد شقت إبتسامة خفيفة على شفتاي ذهبت لدورة المياة لأرتدي الملابس لكني بدأت بالبكاء كالطفل الصغير .. أضرب صدري بيدي و حينا أمسح دموعي لكي لا يمسك بي بهذا الحال أريد أن نعود كالماضي ، فتحت صنبور الماء بعدما بدأ سيونغ ري بالطرق على الباب ( : يا جي يونغ .. هل أنت بخير !؟ )


غسلت وجهي لتختفي دموعي بل لأحتفظ بها في قلبي عوضا عن قلق جديد أسببه لهم بدلت ملابسي لأرتدي ملابسي التي ما تزال دافئة لربما عانقوها يدعون عودتي في الأيام الماضية .. خرجت من دورة المياة لأجدهم الأربعة متجمعين على الطاولة التي تنقصني أنا فقط و عليها عدة أصناف طعام معلب كما إعتدنا في الأيام التي نكون بها مشغولين فلا يكون هناك وقت للتفنن بإعداد الطعام جلست بجانبهم كانت أنظارهم جميعا علي إبتلعت ريقي بغصة و إلتقطت أعواد الطعام ( : لنأكل .. )


قلتها بتردد لأخرجهم من حالة الشرود التي أصابتهم عند رؤيتي جالسا بينهم مجددا .. لربما شعروا أنهم بحلم و سيستيقظون منه في أي لحظة ، تناولت القليل من الطعام و ما زالوا على حالهم فإلتقطت القليل من الطعام و وضعته أمام توب الذي كان يجلس بجانبي و من ثم وضعت القليل منه أمام دي سونغ و عندما إنتهيت وجهت لي ضربة على رأسي من قبل سيونغ ري الذي يجلس مقابلا لي ( : هل تعتقد أننا سنسامحك بهذه الأفعال أيها الوغد ! )


قالها بغصة فإلتقطت المزيد و وضعت أمامه فأخرج عدة أنفاس و أتبعها بـ ( : عندما تعود لطبيعتك سأبرحك ضربا صدقني )


( : لن تتمكن من ذلك . )


قتلها بثقة فحرك شفتيه بغضب ثم نهض على أقدامه ليتجه لي و يدفعني أرضا رفع يده ليلكمني


( : ايشششش )


بدأت بالضحك على ملامح وجهه التي كانت قريبة من وجهي للغاية فإبتعد عني محرجا بعد أن ضربني على صدري بطفولية بدأ الجميع بالضحك شاركوني ضحكاتي ليمر طيف ذكرياتنا معاً من أمام مخيلتي .. تناولنا الطعام بعدة أحاديث متفرقة كنت ألحظ تجنبهم لأي سؤال بخصوصي عن الفترة الماضية و كأنهم غير مهتمين .. إنتهى ذلك اليوم بنومنا جميعا و عيوننا معلقة في سقف الغرفة لكل منا ما يفكر به بينما كنت أرسمها في الهواء بيدي التي كانت فوق الغطاء .. كتبت بالهواء ( أحبك ) تنهدت بقوة و أنا أرى الفراغ أمامي أغلقت عيناي لأغرق بنوم طويل بذلك العالم الذي بنيته بنفسي ، إستيقظت في صباح اليوم الجديد على إثر تحركاتهم في الغرفة كانوا بالطبع يستعدوا للخروج إلى الجامعة ، نهضت على أقدامي متوجها لدورة المياة حينها قال توب ( : إنك معاقب .. لا تفكر بالذهاب إلى أي مكان )


نظرت له بتعجب بالطبع لن أذهب لمكان فقد فوت الفصل الدراسي في الجامعة و إن تفوهت بحرف عن الذهاب للبحث عن الشيء الذي لا يعلمون عنه شيء سيقتلونني .


( : لن أذهب لمكان . )


قضيت ذلك اليوم بل قرابة الشهر على هذا الحال فقط أكتفي بهم كنت أرتب المنزل و أعد الطعام و كأنني أمهم في هذه الغربة و في المساء نلعب بعض اللألعاب التي إعتدنا على لعبها في ما مضي ، كنت أتملص الخروج بعض الأحيان لأرى كيف إختلف العالم عما سبق ... أزور تلك الحديقة التي إلتقيتها بها بصمت أجوب كل زاوية بها بنظرات مملوءة بالإشتياق الذي أصبح ممزوج بعتاب .. أتبضع ما نحتاج في المنزل لأعود و أبدأ بإعداد أطباق الطعام التي يفضلونها ... حادثت عائلتي في كوريا بعد يوما من عودتي للمنزل إستمعت لصوت بكاء والدتي لقرابة النصف ساعة و ما كان مني سوا لعن نفسي لجعلها تذرف هذا الدموع .. بينما كانت نبرة أبي مملوءة بالخوف و القلق بالرغم من عودتي و كأنك أبي تعلم ما حال قلبي ، و أن عودتي ليست سوا عودة قلب مكسور .. محطم بينما كان صراخ أخي الصغير يدفعني للضحك


( : هل إختفيت عوضا عن العودة بالألعاب و الهدايا ؟! )


إحتمال أحمق طفولي من قلبه الذي لم يبلغ الرشد بعد ، وعدتهم بقدومي قبل أن أبدأ الفصل الجديد مع توب الذي نوى زيارة والداه في أقرب وقت بسبب حال والده الذي أصبح أسوء عما سبق .. في ذلك اليوم أخذني شرودي لعدة ساعات متناسيا كل شيء حولي و عندما بدأت أشعة الشمس بالتواري خلف الأفق إستفقت فعدت راكضا للمنزل خوفا لتسببي بقلق رفاقي و إحداث جلبة كما المرة الماضية .. إستقليت سيارة أجرة و طلبت منه الإسراع حمدا لله ما كان أزمة مرور كما إعتاد هذا الطريق العام فوصلت بسهولة دخلت المنزل لأجد أربعتهم واقفين و القلق يخيم على وجوههم


( : أعتذر .. لقد .. ) تنحنحت عدة مرات و أنا أرى تنهداتهم تتصاعد براحة أكملت و أنا أفتح الكيس البلاستيكي و أخرج منه أربعة حبات من الموز لأقدمها لهم واحدا تلو الآخر


( : إنك حقا مجنون جي يونغ )


قالها دي سونغ و هو يقرب الموزة من وجهي و يضربني بها ضربات خفيفة ، ضحكت بخفة قائلا ( : هل أنت تنظفها الآن ؟! )


أجابني ببرود كاذب ( : بل أنظفك أنت أيها الوغد )


جلسنا حول تلك الطاولة التي أصبحت مكان يحتضن جنونا و بدأنا نتناول الموز و يذكرون بعض المواقف التي حصلت بالجامعة اليوم كنت أتمنى لو أن أحدهم ينطق بإسمها و إن كان بالخطأ فهم في جميع الأحوال لا يعرفون سري المخفي .. ما الذي يجمعني بتلك المدعوه بـ سيلفيستيا ، أدار تا يانغ فلم على التلفاز و بدأنا بمتابعته كان فلم كوميدي .. و كان هذا بعد خناق طويل بيننا على الفلم فـ سيونغ ري و دي سونغ يريدون فلم رعب بينما تا يانغ و توب يريدون فلم رومانسي ... بينما قلت بحروف مرتبكة ( : كوميدي .. ) نظر لي جميعهم فمنذ متى و أنا أحب هذا النوع من الأفلام ؟!


كنت أتوق للضحك .. الضحك حد الموت ربما لأعوض الدموع التي تساقطت في الحديقة اليوم أو ربما لأعيد الحياة لقلبي ، بدأنا بمتابعته و الضحك على أحداثه كنا للحظات نسقط أرضا و حينا نضرب بعضنا .. يا لحماقتنا ههههههه


إنتهى الفلم بعد ساعتين فإنطلق كل منهم لزاوية ما أحدهم يراجع بعض المعلومات و الآخر يعد بحثا و الآخر يحادث عائلته بكوريا و حروفه إشتياقه قد فضحته بينما إتجه سيونغ ري لدورة المياه نظرت بملل لهم جميعا فلا يوجد لدي شيء لأفعله سوا التفكير بها .. إهتز هاتف سيونغ ري على الطاولة أمامي فألقيت نظرة عليه لأجد إسمها يتراقص على الشاشة إبتلعت ريقي و أنا أشك بما أرى هل جننت أم أن ما آراه مجرد وهم من وهمي الملازم لي ، مدت يدي بخوف و إرتباك فأدركت أنها رسالة نصية و كان محتواها ( هل عاد للمنزل ، هل هو بخير أرجوك أخبرني سيونغ ري )


تجمعت الدموع بعيناي فما هيئ لي أنه وهم كان حقيقة .. إنها حقا سيلفا ، و تسأل عني .. تستفسر عن عودتي عن حالي ، إن كنت بخير أم لا .. كيف حدث هذا ؟!


رقمها محفوظ بهاتفه هذا لا يعد شيء عرضي هل إلتقيا ؟!


أبعدت الهاتف من أمامي سريعا عندما خرج من دورة المياه واضعا المنشفة على كتفه و قطرات الماء تتساقط من خصلات شعره ، نهضت على أقدامي بإتجاه سريري بينما إقترب سيونغ ري من الهاتف و تفقده ثم نظر لي فإدعيت إنشغالي في تعديل الوسادة ، فقدت القدرة على الكلام فبأي حروف سأبدأ بإخفائي أمرها عنهم منذ وقت طويل أم أنها السبب في غيابي الأحمق .. سبب لمرضي سبب لجنوني !


أغلقت عيناي و التفكير يقتلني بأي لقاء جمعهما و لماذا لا يتفوهون بشيء بخصوصها بما أنهم يعلمون بعلاقتي بها ، سرقني ذلك المكان مجددا لأجدها واقفة بجانب تلك الأرجوحة و تداعبها بيدها تطلقها للهواء و تعود لإمساكها إقتربت منها و كلي شوق لها .. وضعت يداي على أكتافها و عانقتها إلتفت بوجهها للخلف قليلا لتتبعثر نظراتي بخصلات شعرها ، رفعت يديها ليعانقن يداي و قالت ( : إشتقت لك .. أين كنت ؟! )


بقيت صامتا فقط أستنشق عبيرها و أنا أناظر المكان أمامي ، حاولت الإلتفات بجسدها لكني منعتها عن ذلك ، تنهدت بحب و من ثم قبلت يدي التي لا تبتعد عن عنقها سوا القليل ..


لتبقي هكذا فرغبتي بسؤالي عن غيابك سيكون أشد ألما بجوابك الذي لا أعمله .. و مهما كان لن أعفوا عنك سيلفا ، كيف لك أن تتركيني بعد أن علمتي بعودتي من البحث عنك أي قلب تملكين أشعر بخوف و قلق مما سيحدث هل ستبقي مختفية كما الآن أم أنك لم تحددي وقتا لعودتك بعد أجيبيني بعيناك فالنظرات لربما تكون ارأف من الكلمات .. ( : لنجلس .. )


لا .. لنبقى هكذا فقط أخبرتها بلمساتي لم تمانع فهذا حلم .. و كما قالت مسبقا أنا من يتحكم به لذا لتبقي هكذا لنبقى هكذا لربما أبقى متجاهلا عذرك الأحمق بغيابك ....


إستيقظت على صوت منبه قد وضعته في الأمس قبل نومي إدعيت النوم حتى غادر الجميع من المنزل فنهضت على أقدامي و أعددت نفسي للخروج لمكان نويت أن أذهب له ، إرتديت سترتي و خرجت من المنزل إستقليت سيارة أجرة


( : إلى جامعة روما سابينزا من فضلك )


لم أتوقف عن التفكير طيلة الطريق و ترتيب الأسئلة بداخلي إن قابلتها حقا ، توقفت سيارة الأجرة أمام باب الجامعة كما أخبرني السائق الذي تعجب لباقي جالسا لعدة دقائق فلا انكر أن الخوف هو الذي أعاقني .. ( : هذا المكان أيها الشاب )


قالها مجددا فإستفقت من تضارب أفكاري و خرجت بعد أن منحته الأجرة خطت قدمي أول خطوة في الجامعة و قد علت نبضات قلبي هل لأني سأراها الآن أم لأن عتابي و حزني منها يفوق ذلك ... بدأت أسير في أرجاء الجامعة باحثا عنها و بنفس الوقت أخفي وجهي كي لا أرى أحد من رفاقي الأربعة خطت قدماي كل بقعة في الجامعة تقريبا و لم أجد أحدا .. توقفت متنهدا و للحظة شككت بكل ما جرى في الأمس ، هل كان هناك رسالة .. هل كانت منها .. هل حقا نظر لي سيونغ ري ، سحقا لعقلي الذي لم يعد يفرق بين الواقع و الخيال .. إلتفت للخلف ناويا العودة حينها رأيتها ... ما زالت كما كانت جميلة ، رقيقة


ناصعة البياض بتلك الهالة التي إحتوتها هي فقط بعيدا عن كل نساء الأرض .. كما تأتيني كل يوم لعالمي إنها هي أقسم أني لا أحلم ، من بعيد إقترب سيونغ ري و ألقى عليها التحية دار بينهم حوار لم أسمع حروفه بل وصلتني حرارته .. إنتهى بإنهمار دموعها ، مهلا دموعك لا يحق لها النزول إلا بإذني سيلفا ما الذي تبكينه الآن .. إن كان أنا فلتتوقفي ما لست سوا أحمق في الحب ، ربت سيونغ ري على ظهرها و حثها بحروفه التي لم تصلني لتتوقف عن البكاء .. حينها شعرت بضعف شديد لقد كانت تبكي مثلك أيها الأحمق ، لقد كانت تتألم مثلك .. من دون أن أشعر بدأت أسير بإتجاهها متجاهلا الجميع لا أعلم كم عدد أولائك الذين إرتطمت بهم و أنا أسلك طريقي لها .. أصبحت أمامها داعب عبيرها مشاعري مجددا ، أنفاسها لفحت وجهي مجددا رفعت رأسها و يداها تمسحان دموعها .


( إنه أنا سيلفا )


همستها بداخلي و كلي يقين بأنها ستصلها بصوت أعلى من نطقي بها ، لم تتحرك .. لم تتفوه بحرف فقط عانقت عيناها عيناي ، تفقدتني بلهفة بتلك النظرات و عندما أدركت أني أمامها حقا إنهمرت دموعها بغزارة ، لا تفعلي ذلك أرجوك إنه يقطعني إربا .. دموعك تعني لي الكثير ، رمت نفسها على صدري ليعلو صوت بكاءها .. ليصل إلى مسامعي بوضوح ، ليكسر جميع الأصوات بهذا الكون ....


مسدت على خصلات شعرها بيداي المرتجفتان ، دموعي كانت قد بدأت بالسقوط منذ تلك اللحظة التي ألقت بها نفسها على صدري ..


( لن أفترق عنك أبدا الآن و إن كنت ستذهبين لآخر الأرض )


قلتها بحروف ضعيفة ممتلئة بالنحيب ، فإن كنت انت من أنتحبُ كالأطفال من أجلها فلا بأس بذلك ....


رفعت رأسي للأعلى و همست بداخلي ( أشكرك أيها الرب .. أشكرك . )


****


جننتي كمان ولد ، لن أغفر لك فوشيتا


" خوسيه ستايل" ، شكرا لكم .. يـُـــ


تبع

Comment