مذكرات جي يونغ 1

الـــنــــعــــــيــــم المفقود


مــــــGDــــــذكرات


ها أنا أكتب .. هههههه لم أتوقع يوما أن أكتب يومياتي في دفتر صغير كما يفعل البعض ، لكن لا بأس سأفعل مثلها كي نصبح متطابقين في كل شيء .. أخبرتني أن أكتب كل شيء إستحوذ على تفكيري يوما ما و هكذا سأفعل ...


سأعرفكم بنفسي أولا إسمي جي يونغ أتممت الخامسة و العشرين الشهر الماضي إنني كوري الأصل فرد في عائلة صغيرة تقليدية مكونة من أب محب و أم حنونة و أخ يصغرني بخمسة أعوام .. إعتدت أن أكون طالبا مجتهدا في دروسي ، مطيعا لوالديّ .. حياة مثالية هي تلك التي عشتها في طفولتي و شبابي ، أنهيت المرحلة الثانوية عندها أخبرني والدي أن لديه صديق يقيم في إيطاليا و قد تدبر أمر دراستي هناك في مجال إدارة الأعمال لم يكن ببالي شيء معين لذا رحبت بالفكرة و حزمت أمتعتي مستعدا للسفر لتلك البلاد كانت من أصعب اللحظات في حياتي هي لحظة الوداع لم أتخيل يوما أن أترك أمي و أبي و أخي الصغير و أذهب بعيدا لكن كلمات والدي كانت كالبلسم المداوي للجروح إذ قال لي ( : بني .. إذهب و عد شابا يجعلني فخورا به ، سأنتظرك و أدعو لك في كل يوم ) ... كيف أجرأ أن أخالفه و هو يمتلك قلبا رقيقا كهذا و إن كانت لدي آمال و أحلام لكنت ألقيت بها بعيدا فقط لأجعله مبتسما .. مرتاح القلب .


مسدت والدتي على رأسي و الدموع بعيناها و قلبها يصرخ بنيران الشوق و أنا لا أزال أمامها ، فأهديتها إبتسامة و كررت كلمات والدي التي قالها للتو ( : سأعود لأجعلك فخورة بي أمي ) كما هدأت كلمات أبي قلبي .. رسمت هذه الكلمات أيضا بستان من الأمل و التفاؤل في قلبها الحنون .. و عندما نظرت لأخي الصغير الذي كان يدعي القوة و عدم الإهتمام ( : ماكر .. ) قلتها وقد ضممته بقوة ثم تابعت بنفس النبرة المستنكرة ( : سأجلب لك الكثير من الهدايا عندما أعود )


أجابني وقد إختنقت حروفه بالدموع ( : لا أريد منك شيئا .. فأنت ستتركني الآن )


منذ أن طرح أبي فكرة سفري و هو معارض بشدة و حاول مرارا و تكرارا أن يقنعني بالتراجع .. ( أعتذر ) همست بها ..


في كل مرة يضايقه زملائه بالمدرسة أكون الدرع الحامي له كيف سيجعلني أذهب بعيدا .. ( أعتذر حقا .. سأكون برفقتك دائما ) قلتها بنبرة أكثر وضوحا فضربني على صدري مبعدا إياي فإبتسمت ممتنا لوجوده ... إلتفت مانحا إياهم ظهري و قد إنهمرت دموعي رغما عني سرت مقتربا من البوابة التي ستكون أخر محطة للتراجع إن أردت لكني لم أنظر للخلف أبدا و بدأت طريقي الذي أراده أبي ...


اوووه لقد كتبت بعاطفة لكن حقا تلك اللحظة هي الأكثر ألما في قلبي .. سأخبركم الآن عن حياتي في تلك الجنة .. ( إيطاليا ) ، تختلف إختلافا شاسعا عن كوريا عن بلدتي التي ترعرعت بها أقسم أنها كحياة ثانية قد بدأتها للتو .. أول ما خطت قدماي في أرضها كان صديق والدي ينتظرني و بين يديه لافتة باللغة الكورية ( أهلا بك في إيطاليا جي يونغ ) إبتسمت و قد خف القلق و التوتر الذي كان يأكلني طيلة طريق المجيء ، إقتربت منه و حييته كنت قد إلتقيت به بضع مرات في كوريا عندما كان يأتي في الإجازات الصيفية بجانبه كان يقف إبنه يبدو بنفس سني تقريبا عرفني على نفسه ( : إسمي سيونغ ري أهلا بك هنا )


شكرا للرب لأن الحياة ما زالت بصفي حتى هذه اللحظة فقد ساعدني سيونغ ري بحمل حقائبي و إنطلقنا لمنزلهم الذي جلسنا به بعض ساعات ثم طلب مني سيونغ ري أن أذهب للسكن الذي يقيم به هو و رفاقه الكوريين فلبيت مطلبه و إذ أن هذا المسكن سيكون مكاني طيلة الأربع سنوات القادمة دخلنا المسكن كان مبعثر في زاوية و زاوية أخرى مرتبة بشكل ملفت للنظر كل بقعه فيه تختلف عن التي بجانبها أدركت حينها أن هناك عدة أشخاص يقيمون بالمكان لكن بالرغم من إختلافهم إلا أن هناك شيء يجمعهم فأربع كؤوس متشابهة موضوعة على الطاولة و كذلك الصور التي تملأ المكان يدل على أنهم روح واحدة بإختلاف الطباع طلب مني سيونغ ري أن أجلس على سرير يبدو أنه حديث ( : إنه لك .. ) إبتسمت ممتنا له ثم نظرت للسرير بتفحص فهو أول الأشياء الخاصة بي بهذا المكان .. أجرى مكالمة هاتفية مع رفاقه ثم إتجهنا الإثنان لإعداد الطعام لم أساعده كثيرا فحتى الطعام هنا له خواص مختلفه عن تلك التي إعتدتها في كوريا مرت نصف ساعة و إذ بالباب يطرق بطريقة همجية أفزعت قلبي ..


( : يا إللهي ... من هذا ؟! )


راود ذهني عمليات المداهمة التي كثرة ما نراها على التلفاز في دول الغرب من اللصوص و القتله .


( : لقد جاءو )


نظرت له و هو يجيبني بكل برود حينها أخفضت يدي من على صدري محرجا و همست ( : اوووه .. حقا )


ضحك بخفة لسذاجتي ثم إتجه سريعا لفتح الباب للحظة تمنيت انه لم يفتحه ففي ثواني قفز تجاهي ثلاثة شبان و عانقوني بقوة و كأننا أصدقاء منذ الطفولة كنت ألتقط أنفاسي بصعوبة ( إنهم مجانين .. أقسم أنهم مجانين ) كنت أقول بذهني و أنا أحاول أن أبعدهم عني ، صرخ سيونغ ري ( : ايها المجانيـــــن )


حينها إبتعدوا عني فأخذت عدة أنفاس متقطعة و انا أنظر لهم واحدا تلو الأخر إنهم كوريين بحق .. كوريين بنكهة إيطاليا في اللباس و تصفيفات الشعر .. أما العقل لم أجده بعد .


أمسك سيونغ ري أحدهم و قربه مني بطريقه أفزعتني و قال مبتسما ( تووووب ... )


نظرت له متعجبا و ترددت قبل أن أكررها ( : تـــــتـــووووبـــ )


إنحنى توب بطريقة مبتذلة قائلا ( : إسمي توب .. توب )


قلت محرجا ( : ااااه ييييه أهلا توب .. إسمي جي يونغ )


لحظات حتى بدأ أحد الشابين الأخيرين بالرقص بكل خفه جعلني مبهورا حقا بقدراته كنت أرمش بعيناي مذهولا


( : تايانغ .. ) قالها لاهثا بعد أن أنهى عرضه ، لم يكن مني إلا أن أبدأ بالتصفيق ، فإبتسم و كان يتملك الإبتسامة الأجمل من بين الجميع بعيناه المبتسمتين الصغيرتين .


قال الأخير ( : مخادع ... لا تتوقع المزيد منه فهذه الرقصة هي الوحيدة التي يتقنها )


نظرت له متعجبا فقال بإبتسامة ( : دي سونغ )


كان هذا أول لقاء بيننا لنصبح أعز الأصدقاء فيما بعد كانوا يساعدونني في فهم اللغة الإيطاليا .. و فهم الدروس كنا نخرج في نهاية كل اسبوع للعب إما كرة القدم أو كرة اليد .. كانوا مجموعة مواهب متنقلة تعلمت منهم الكثير كنت كالطفل الذي لا يتوقف عن البحث تلك الزوايا التي إستهجنتها في البداية بدت اليوم أدرك كيف أقف في كل زاوية .. حتى أني كونت زاوية خاصة بي ما يحيط بسريري إطار صورة تجمعني بعائلتي و صندوق متوسط الحجم أجمع به ما أخمن أنها ستنال إعجاب أخي الصغير ... ذكائي و مهارتي لفتت جميع الأنظار لي في الجامعة فبظرف شهر واحد أصبحت مشهورا أولا لأنني ذكي و ثانيا لأنني ضمن مجموعة المجانين الذين أرافقهم في كل مكان ( توب .. سيونغ ري .. تا يانغ و دي سونغ ) كنت محط الأنظار لمعظم الفتيات بالرغم من ملامحي الأسيوية التي ربما تعد شيء غريب بين ملامحهم الاوروبية لكني لم أفكر يوما بشيء سوا عائلتي .. أصدقائي و دراستي . يوما بعد يوم أصبحت أعلم معظم معالم هذه المدينة الساحرة فبذلك اليوم حيث أردت مفاجئة أصدقائي بحفلة صغيرة و ذلك بعد أن أنهينا عامنا الدراسي ذهبت للسوق لأشتري الحلوى و المشروبات لم أعد أواجه صعوبة بالتواصل فقد أتقنت الإيطالية بشكل جيد ، دخلت المتجر و تبضعت ما أريد ثم غادرت و أنا فرح للغاية فهذه أول مرة سأقدم لهم شيئا نظرت للحقائب التي بين يدي و قلت ممتنا ( : جلبت جميع الأصناف التي يحبوها )


رفعت رأسي عندما شعرت بوقوف أحدهم أمامي نظرت له كانت اللحظات المسائية على وشك ان تبدأ و غروب الشمس قد بدأ بالفعل ، قال بلغته الإيطاليا ( : اسيوي أحمق .. )


تنهدت ضجرا فمنذ قدومي إلى هنا لم أسمع هذه الكلمات سوا مرتان فقط و ذلك في أول يوم لي في الجامعة عندما كنت بمعزل عن أصدقائي ، إبتسمت بإستهزاء و تابعت مسيري عندها ظهر أصدقائه من خلفه و كانا شابان و فتاه ، رفعت هاتفي و قلت ( : هل سيكون حالك جيد إن إتصلت الآن بالبوليس ؟! )


ضحك مستهزئا و قال بغرور ( : اووووه هل تعتقد أن بوليس بلدي سيقف بصفك )


قلت له بحدة ( : لا .. ليس كثيرا لكني متأكد أنه سيقف بصف الحق )


إقترب منه صديقه الآخر و همس بأذنه بعض الحروف أدركت من ملامح وجهه انه ينهاه عما يفعله من بعيد إقتربت فتاه تغطي وجهها بالكامل و أمسكت بيده بقوة و صرخت به ( : ما الذي تفعله أيها الأحمق )


كان نظري يتنقل بينهم جميعا أنتظر ما الذي سيؤلون إليه


لحظات حتى دفعها أرضا و صرخ قائلا ( : اوووه يا لثقتك بنفسك .. من تخالين نفسك ؟! )


نظرت لها و هي تحاول الوقوف و هي تخفي ألم يدها التي سقطت عليها ( : لا تتمادى .. إنني أحذرك )


إقترب منها بطريقة مخيفة و لم يفصله عنها سوا بعض الإنشات رفع رأسها بيده و قربه من وجهها و قال بحروف لم أميز نبرتها ( : و أنتي أيضا )


هل هما حبيبان !؟ فهذه الأفعال ما يقوم بها الحبيبان إن إختلفا ، أبعدته عنها في اللحظة التي قرب شفتيه من شفتيها ، إقترب أصدقائهما و حاولوا أن يسكنو غضبه بعد أن إجتاحته نوبة من الهستيرية بينما هي أخفت وجهها بالقبعة و بطوق السترة و سارت مبتعدة ، لمحت بشرتها حينها إنها لا تبدو إيطالية ... هل هي غريبة عن هذا البلد مثلي أيضا ، إستفقت على نفسي و أنا بهذا المكان و إستغليت إنشغالهم في تهدئة صديقهم الذي بدأ بركل الجدار لفت نظري إسوار فضي ملقى على الأرضية خمنت أنه لها فهذا المكان هو مكان سقوطها قبل قليل إقتربت منه بخفة و إلتقطه عن الأرضية ثم سرت مبتعدا ، كان إسوارا فضي و يتدلى منه حرف


) S (


بالإنجليزية ، لم أدرك أنني أسير خلفها بلا أي تفكير إلا عندما شعرت بأن أحدهم خلفها و إلتفت بغضب قائلة ( : لا أريدك .. ألا تفهم ، عندما تتخلى عن غرورك سأقبل بك ... )


توقفت هي عن الكلام عندما أدركت أن الذي خلفها هو أنا و ليس ذلك الشاب الإيطالي .. تنهدت بتنهيدة إعتدتُ عليها و قالت ( : ايششش )


تسمرت بمكاني هل قالت ( : ايششش ) حقا ؟!


ركضتُ خطوتين و قلت ( : كورية ؟! )


توقفت للحظات و قالت باللغة الإيطالية ( : لا . )


تابعت مسيرها مبتعدة و عندما توقفت سيارة الأجرة التي إستوقفتها للتو ركضتُ بإتجاهها و أمسكت بكتفها ، إلتفت لي بملامحها المخفية و تابعت ( : ماذا تريد ؟ )


شددت على الإسوار في يدي ترددت في إرجاعه لها إن كان لها حقا فهناك شيء بداخلي أخبرني أن أبقيه برفقتي عله يكون يوما سبيل لرؤيتها مرة ثانية ، تمعنت النظر في عيناها اللامعتان و قد تسللت بعض ملامحها الكورية لنظري فجفونها و خصلات شعرها الناعمة المنسابة من أسفل القبعة أكدن لي أنها كورية و إن كانت بملامح مزيج إيطالي من أم أو أب قلت لها بالكورية ( : فقط ألقي التحية .. ربما نلتقي مرة ثانية )


شعرت بتوترها فقد علمت بحقيقتها بالفعل رفعت يدها بعد لحظات و أبعدت يدي عن كتفها و قالت بإستعلاء بلغتها الثانية ( : لم أفهم ما قلت .. دعني و شأني )


إبتسمتُ بإتمنان لأني سمعت صوتها مجددا راقبت جلوسها بالسيارة و ذهابها بعيدا ، رفعت الإسوار لمستوى نظري و تمعنت النظر به ( : يا تري ما إسمها ؟! )


مرت نسمة هواء باردة تعلن عن دخول الشتاء القارص فأخفيت يداي في جيوبي و ما زلت أضم الإسوار و كأني أخشى عليه أن يصاب بالبرد عدت للمكسن و كان حالي غريب عليهم فهم باتوا يعرفونني عن ظهر قلب إدعيت أن لا شيء حدث و بالرغم من المئة سؤال التي عرضت علي ليلتها منهم الأربعة إلا أنني أخفيت هذا السر و لم أشاركه إلا بيني و بين نفسي فهناك قناعة بداخلي ( إن حفظت السر سيكون شيئا ذو قيمة أكبر من مشاركته ) ، أنهينا السهر على مبارة كرة قدم بين فريقنا المفضل و فريق آخر و من ثم لبثت في سريري و الفوضى تملأ المكان خلفنا كنت و دي سونغ من ينظف الفوضى دائما لكن اليوم لم يكن يشغل بالي سوا تلك الفتاه و عندما رأى دي سونغ أن عقلي ليس برفقتهم إرتمى على سريره بضجر قائلا ( : اوووه .. لن أنظف أنا أيضا )


من بعيد خلع تا يانغ جواربه و ألقاهن عليه ، بينما كان توب و سيونغ ري منشغلان بمشاهدة شيء على هاتف توب .. إنه منحرف للغاية ... تناسيت كل ما يحدث حولي و رفعت الغطاء ليغطي وجهي بالكامل و عندما أيقنت أني وحدي بمخلدي رفعت الإسوار و بدأت أتمعن به من جديد ، بالفعل كان هو آخر شيء تراه عيناي الناعستين قبل أن يسرقني النوم لمكان آخر .. مكان ملائكي ، مكان لم أزوره من قبل يختلف عن كوريا و غريب عن إيطاليا .. مكان تملئه الأشجار الطويلة الخضراء تخفي السماء بالكامل و كأنها قد كونت سقف على ذوقها الخاص بين الأشجار هناك أرجوحات باللون الوردي و قد تلفعت بأوراق الشجر الأخضر .. على تلك الأرجوحة الأكبر حجما كانت تجلس بملابسها الشتوية و تتلاعب بهبات الهواء إبتسمت بفرح لم أدرك سره و سرت مقتربا منها .. خطوة بعد خطوة حتى أصبحت أمامي مباشرة أستمع لرنين ضحكاتها الذي داعب قلبي .. إنني أحلم .. اوووه ما هذا الحلم الغريب كيف لها أن تأتي لأحلامي و أنا لم أراها سوا مرة واحدة .. إنها فتاه غريبة .


إقتربت خطوة منها و أصبحت الأرجوحة أمامي مباشرة أنظر لها و هي تأتي عبر الهواء مقتربة مني لم أخشى أن ترتطم بي و تودي بي أرضا فقط إنتظرت قدومها و رفعت يداي لأمسك بها و بلحظة دب الرعب بقلبي من أن نرتطم ببعضنا أصبح وجهها أمام وجهي مباشرة شعرت بدفء قلبها و أنفاسها التي لفحت وجهي ... تجاوزتني كالخيال ... عادت لتبتعد مجددا إبتسمت بخفة فكل شيء في الأحلام يجوز عدت للخلف خطوة كنت أنوي الأبتعاد أكثر مستهزئا من هذا الحلم لكنني شعرت بيديها تحيطان بي يدين ناعمتين ( هذه السترة ؟! ) إنها سترتها الخضراء كيف لي أن أنساها و قد كانت هي الحاجز بيني و بينها في تلك اللحظة إلتفت للخلف فواجهتني خصلات شعرها التي إستوطنت عنقي .. ( بالله عليكي ما الذي تفعلينه بي ؟! )


همستُ بضعف ، رفعت يديها و عانقت صدري أشك في حقيقة إدراكها بقلبي الذي إختل توازنه فبهذا الحلم الغبي أنا الضحية الوحيدة و أما هي فبأي أرض تكون الآن يا ترى ...


إستجمعت قواي و أمسكت بيديها خوفا من أن تهرب كما المرتين السابقتين و إلتفت ببطأ لنفس السبب .. ( حمدا لله ) لم تختفي بعد أصبحت بين يدي الآن أحوطها .. يفصلني عنها بعض الإنشات فقط


( : من انتي ؟؟ لمّ تزورينني بالحلم حتى ؟! )


لم تجب .. لِمَ أتوقع الإجابة أساسا؟ ... يا لغبائي !؟


رفعت يداي من على أكتافها حتى عنقها و في داخلي رغبة غريبة تجتاحني لا أدرك ما هي تلمست بشرتها التي تهرب من اسفل طوق السترة إنها ناعمة للغاية .. وكأنها حرير ألماسي ، إقتربت منها أكثر و قد إختلطت أنفاسي بأنفاسها الوهمية بتردد أردت أن أنزل طوق السترة للأسفل لتظهر ملامحها أكثر أو بالأحرى لألثم شفتيها ...


ظهر طرف شفتها العليا كانت شديدة الحمرة و كأنها حبة طماطم مما زاد رغبتي في تقبيلها أكثر .. فهو حلم لا أكثر ..


لم تقاوم لم تبتعد .. لم تختفي ، إبتسمت بسذاجة فهو الحلم الخاص بي .. و أنا الذي أقرر متى تختفي متى تبتعد ...


قربت شفتي من شفتيها و شعرت بحرارتهن أغلقت عيناي و أنا أستلذ بطعم شفتيها المحمرتان تنفست عطرها النرجسي .. تلمست بشرتها الناصعة المستسلمة ... شعرت بدقات قلبها التي تتوق للمزيد


( أقسم أني فوق السحاب الأبيض .. بل إنّي في الجنة .. )


حولنا كانت الطيور تشدو أغنية لم أسمعها من قبل لم أرى ألحانها في أي مكان في الأرض .. كلمات و كأنها تعويذة سحرية قد خلقت لي و لها فقط ... نسمات هواء قد خصصت من أجلنا فقط .. لم تعبر أي قارة و لا بقعة في تلك الأرض أسفلنا ..


غرت عندما شاهدت عصفورا ذهبي يلامس بجناحيه خصلات شعرها ، ( ما أضعفني إتجاهك .. هل هذا أنا ؟! )


ذابت كلمات المعاتبة لذلك العصفور في فمي .. ما الذي سأقوله بحق السماء ، يحق للنجوم أن تعاكسك كل مساء .. و أن تغريك بضوء خافت كضحكة صبي ، يحق لهم ذلك أما أنا سأكتفي برفع غطاء الليل عنك قليلا ، و اندس فيك قربك .. وأقول لك ( :من أنت !؟ )


إستفقت من هذا الحلم عندما شعرت بشيء بارد للغاية يوضع على جبيني ، فتحت عيناي بضعف شديد و رأيت أربعتهم فوقي حينها أدركت أن ما على جبيني ما هو إلا قطعة قماش قد بللت بالماء همست بضعف ( : أبعدها . إنها باردة للغاية .. )


اجابني توب موبخا ( : ايها الأحمق .. لماذا لم تخبرنا أنك مريض ؟ )


بالرغم من قلة حيلتي لأستجيب لكلماته إلا أنني نظرت له متعجبا و همست بضعف لم أعلم كيف إجتاحني ( : مريض ؟! )


سرحت بذهني للحظات متناسيا ما يقوم به هؤلاء الأربعة حولي


( الإسوار !؟ )


أين هو ؟؟ نهضت بدون تفكير و بدأت أبحث عنه بجسدي المترنح حاول دي سونغ منعي مما أقوم به لكني كنت مغيب عن الواقع تماما لم أفكر بشي آخر سواه ، نظرت حولي جيدا رفعت الوسادة و بحثت و كذلك الغطاء لكني لم أجد شيئا شعرت بحزن يملأ قلبي


( : لم يهمني لهذه الدرجة ؟! )


سؤال راود ذهني لكن الحمى التي كانت تكسو جسدي لم تدع لي مجالا للتفكير بالإجابة حتى فقط سقط أرضا مغشيا علي ، صعق أربعتهم لسقوطي أرضا و ما كان من سيونغ ري إلا أن يحملني على ظهره سريعا و يتجه إلى المشفى ... ما حدث هناك لم أعيه حقا كم من الوقت لبثت نائما كم من الأدوية وضعوا في جسدي لم أشعر بأي شيء فقد ناداني ذلك المكان مجددا لأنساق إليه بلا حول ولا قوة ...


( سأفتح قلبي أكثر و أخاطبها .. فإفتحي قلبك و إسمعيني إن هذا أمر مني أيتها الفتاه )


قلت هذه الحروف و أنا أسير بإتجاه حافة النهر حيث تجلس بثوبها الربيعي الزاهي و تداعب المياه بيديها .. ملامحها قد باتت ظاهره .. كورية حقا لقد تعرفت عليها بالكامل ، لن تنكر هذا بعد الآن ، جلست بجانبها و أمسكت بيدها مانعا إياها من اللعب بالماء فإلتفت لي و نظرت بعيناها الساحرتين


( تبا كم هي جميلة ... )


إختزلت هذه الحروف في صدري خوفا من أن تلقنني درسا و تفر هاربة كما فعلت بذلك الشاب الإيطالي .


( لم ناديتني مجددا ؟! )


إبتسمت فظهرت فجوتين في وسط خديها ( سحقا و كأن جمالك يحتاج مثل هذه الفجوات حتى !! )


تسائلتُ بغرور عن إمكانية ظهور شيئا مميز آخر فيها ( هل هناك المزيد ؟ )


لم تجبني بل إكتفت بالوقوف ثم مدت ذراعيها بالهواء ،نهضت و فعلت مثلما فعلت إستنشقت الهواء العليل التي يتغنى بالصفاء تلامست يدينا بروح طفولية ترددت في ضم يدها لكني جمعت قوتي و قبل أن أقرب يدي من يدها ، أمسكت هي بيدي و حثتني على المسير للأمام لم أبالى لقدماي اللتان بدأ الماء يداعبهما فقط كنت أنظر للأمام حيث لوحة فنية قد عجز عن رسمها أمهر الفنانين و بيدي أشعر بنبضاتها ..


تجاوزنا المياه حتى منتصف صدري ( هل هي مجنونة ؟؟ سنغرق لا محاله )


كنت خائفا من المتابعة بينما هي تسير بكل ثقة ، ترددت قبل أن أخطو خطوة أخرى .. شعرت بإرتباك فتوقفت حمدت الله على ذلك ، إلتفت لها فإهدتني تلك الإبتسامة التي تذيب قلبي كقطعة جليد وضعت في وسط النيران المشتعلة


( ماذا الآن ؟! )


إقتربت بحياء و دست رأسها في صدري ( إنه حلم جي يونغ .. إنه حلم و هذا ما تريده انت .. )


رفعت يداي و أحطُ بهن ظهرها تبلل أسفل خصلات شعرها لم ألقى بالا بل إستمريت بالتربيت برفق و الأمواج تداعب أجسادنا ..


أنغام أغنية رومانسية خرجت من اللامكان لتتسلل إلى مسامعنا لتجعل من أجسادنا رهائن لرقصة هادئة في وسط هذه الأمواج مرت اللحظات كما إشتهيت .. ببطأ .. ففي كل لحظة بعيدا عن أني لم أفارق النظر لها كنتُ في داخلي أدعو الله أن لا تنتهي هذه اللحظة لأبقى بجانب هذه الغريبة لوقت أطول .. و كما يقول المثل تسير الرياح بما لا تشتهي السفن بدأت أستعيد وعيي على صوت الطبيب و هو يطمأنهم على حالي


( : سيكون وضعه أفضل .. إنها مجرد حمى ، لكن ما تعجبت لأمره انه لا يوجد مسببا لها ! )


دي سونغ : ربما لم يعتد على تنقل الفصول هنا بعد .


توب : شكرا لك أيها الطبيب .


سيونغ ري و تاي يانغ : شكرا لك .


فتحت عيناي و نظرت لهم ممتنا فهلوستي الجديدة لا يوجد من يعاني منها سوا هم .. اصدقائي ..


نهضت معدلا جلستي و خرجت حروفي الضعيفة ( : إنني بخير .. أعتذر لما سببته لكم )


توب ( : تعافى سريعا كي أتمكن من ضربك . )


سيونغ ري موبخا ( : ياااه )


دي سونغ مستفسرا ( : ما هو الشيء الذي كنت تبحث عنه ؟! )


أخذت نفسا عميقا كي لا تعود تلك الأفكار لذهني و قلت بلا مبالاة ( : أنا .. ما هو ؟! )


تا يانغ ( : لقد كانت هلوسات دعك منها )


بقيت في المشفى يومان بالكامل و عندما أصبحت بحال جيدة غادرت برفقتهم للمنزل لم أذهب للجامعة لمدة إسبوع خوفا من عودة تلك الحمى مجددا كانوا يتناوبون على البقاء بجانبي ففي كل يوم يعتذر أحدهم من الذهاب للجامعة بحجة واهية أدرك بالكامل أنه يختلقها من أجل البقاء بجانبي ..


تلك الفتاه !؟ هل سآراها مجددا أم ماذا ؟!


هذا السؤال ما كان يجوب بخاطري سرا بين حين و آخر .. مرت الأيام و أصبحت بحال أفضل فعدت للجامعة و أكملت دروسي كما كنت أفعل سابقا مرت ثلاثة شهور منذ تلك الحادثة ليأتي القدر و يفرد أجنحته و سيطرته و آراها مجددا و أنا في طريقي للجامعة ، ركضت بإتجاهها و كلي ثقة أنها هي فلا يوجد هنا من أتقن إخفاء ملامحه مثلها إستوقفتها


( : عفوا ...)


رفعت رأسها و نظرت لي بتعجب للحظات و عندما تذكرت ذلك اليوم عادت تلك النظرة الحادة في عيناها ( : ماذا تريد ؟! )


لم أفكر حينها بما قلت .. فقط كان همي أن نلتقي مجددا فقلت ببلاهة ( : لقد أضعت إسوارك منذ عدة شهور أليس كذلك ؟! )


نظرت لي بغرابة و قد رفعت يدها بتلقائية ( : ما أدراك أنت ؟! )


( إن كنت تريدين إسترجاعه .. لنلتقي غدا في الحديقة العامة ، الساعة الثامنة مساءا )


تجاوزتني و قالت بحروف مدعية ( : لست مهتمة )


عدت لأقف أمامها ( كيف تفرطين بشيء لك .. ألا يوجد لديك إنتماء ؟! )


لمعت عيناها و هي تقول ( فرطت بالكثير بالفعل .. )


كنت سأتوسلها للقاء لكني تمالكت نفسي و قلت بطفولية ( : لكني .. لست من الأشخاص الذي يأخذون أشياء الآخرين .. ليست طباعي )


( اذا أمنحني إياه الآن .)


شددت على الإسوار في جيبي و قلت بحروف كاذبة ( ليس برفقتي الآن .. إن جئت غدا سأحضره )


سارت مبتعدة و هي تشير لي بيدها .. ( لم أفهم هل ستأتي أم لا )


ما معنى هذا .. ايششششش


عدت للمنزل في ذلك اليوم و ذهني مشغول بالكامل أفكر بما سيحدث بالغد .. هل ستتحول أحلامي إلى حقيقة أم أنها بحدتها ستطمرها بالتراب ، لاحظ رفاقي إختلاف حالي و تنبؤا بتهامس عما سيحدث بعد هذه الأحوال .


توب ( هل ستصيبه الحمى مجددا ؟ )


سيونغ ري ( ايششش الأختبارات على الأبواب )


دي سونغ ( أتمنى أن لا يحدث هذا )


تا يانغ ( لا يجب أن ندع ذلك يحدث .. مهما كان )


قفز من مكانه مقتربا مني و دفعني بعنوة نحو دورة المياه كنت اسأله عما يفعله لكنه لم يجيب بلحظات كنت في وسط دورة المياه و تا يانغ يرش علي الماء من الصنبور المتحرك ، كنت أهرب من الماء كالطفل الصغير و أصرخ به موبخا ( هااااي هل فقدت عقلك ؟! )


نظرت لثلاثتهم حيث كانوا يقفون بجانب الباب و يخفون ضحكاتهم فتابعت ( و انتم .. اتسمون أنفسكم أصدقاء ؟! )


تا يانغ : بهذه الطريقة لن تصاب بالحمى .. إن الاختبارات القادمة مهمة للغاية ايها الأحمق لا تدع للحمى طريقا لك .


فهمت مقصده أخيرا حاولت مرارا و تكرارا أن أشرح له أني بحال جيد لكن كان هذا من المحال لم يكن أمامي سوا الدفاع عن نفسي فهجمت عليه و أخذت صنبور الماء و بدأت بالرش عليه و هنا خرجت روحنا الطفولية لتجعل المكان فوضى عارمة فلم نكتفي باللعب في دورة المياه و إنما إنتقلنا لأرجاء المسكن و بين أيدينا أوعية الماء و تنسابق في سكبها على بعضنا البعض .. في هذه اللحظات أخرجت كل توتري مما سيحدث في الغد . قلق .. و توتر .. و بالطبع الخوف كله إختفى بسقوطنا أرضا و الماء يقطر منا .


( : مجانين )


قلتها و أنا أمسح وجهي من الماء نظرت لهم و هم منهكين القوة مستلقين أرضا .. إنهم أصدقائي ... لا أستطيع أن أعيش من دونهم .


****


شكرا لكم ، يُتبع

Comment