ذكريات مُبعثرة

النعيم المفقود الجزء الثالث عشر


ذكريات مبعثرة


كيف يمكن للمشاعر أن تتحول إلى دقائق مكتوبة؟ كيف يمكن أن نجسّد الحب بحروف منظمة أو مبعثرة في اللامكان ؟ أن نحيك ثوباً من حرير شفاف .. لا لون له إلا ظلال ؟!


مرت دقائق .. بل أيام و شهور و سنين و في كل نفس نتنفسه نشتاق لحرية تعتق أجسادنا من همومنا .. من كدمات ألقت بقلوبنا بعيدا ،، على رزنامة فردت نفسها على طاولتها في كل يوم تذكرها بنفسها بأنها تمر ببطء ... بطء مميت يشعل حرارة قلبها، صلت في كل يوم ليأتي ذلك اليوم الذي إنتظرته مطولا ، إرتدت ثوبا وردي اللون و صففت خصلات شعرها الطويلة على أكتافها لتبدو بأجمل حلتها .. تناولت حقيبتها البيضاء و نظرت لنفسها بالمرآة ،لقد برزت ملامح جسدها لتخبرها عما مضى من وقت ، تسللت دمعة حارة على وجنتها فرفعت يدها سريعا و مسحتها ترفض إظهار ضعفها في هذا اليوم خرجت من غرفتها لتقابل والدتها وقد تزينت لمثل هذا اللقاء ، تعانقن بنظرات فرحة .. ممتنة و من ثم همت بالخروج من باب المنزل حينها إستوقفتها والدتها


( : فلتذهبي وحدك ... )


ناظرت والدتها بخوف فأومأت الوالده لها مبتسمة ، تنهدت هذه الفتاه التي بلغت سن الرشد مؤخرا براحة فتقبله من جديد كان يؤلم قلبها ، عانقت والدتها و خرجت من هذا المنزل الذي لطالما كان مكان يجمع عائلة .. عدة أشخاص بمسمى عائلة و إن كانت بصلة غير الدم المتعارف عليها ، خطواتها البطئية كانت تستجمع بهن حروفها التي ستطلقها أمامه بعد غياب طويل .. وحيدة بالرغم من وجود من حولها ، خوف من شيء كانت تصلي كل يوم لعدم ظهوره ،والدها .. إثنان غرباء أصبحوا بليلة و ضحاها من ضمن عائلتها ، عيون دامعة غدت تراها في كل يوم .. جسد مرهق يلقى على سريرها كل يوم ، أنفاس تسللت في كل أرجاء غرفتها ،، أصبح مكانها هو مكانه .. ( دوك دوك دوك ) حروف خرجت من شفتيه ذات مرة لتطرق على باب قلبها كل دقيقة بعدما أدركت ماهيتها


( : إنه الحب .. ) حوار ناضج من فتيات فصلها عرفها على ما يشعر به قلبها ، قابلته بعد غياب طويل غير معروف السبب و بخجل نبأته بسر ستخبره به في لقائهم التالي لم تكن تعلم أن في تلك اللحظات كان يودع آخر أنفاس له بالحرية .. بأن يكون نفسه ، عادت ظلمة الحياة لتحط أمامها ، فتلك الروح التي شعرت بالمسؤولية إتجاهها .. حيث تحركت غريزة الأمومة قبل أوانها لتصبح أم صغيرة لطفل يصغرها بعدة أعوام ..جاي هيونغ طفل فقد والداه ليغدو وحيدا برفقة أخاه ، طفل أشرقت الحياة لبعض اللحظات معه بوسط عائلة كبيرة يعانقهم .. يلعب برفقتهم ، يعود طفل بينهم من جديد ، رأت السعادة بعيناه للمرة الآولى و هو على أرجوحة تطير به في الهواء .. تغنى المكان بصوت ضحكاته الممتلئة بروح الطفولة ، بعيدا عن كل شيء أسود أمامه .. كانوا يعودون للمنزل بعد يوم طويل من كل شيء سوا تذكر الماضي ليواجهوا أمامهم من يعيش بنفس عمرهم لكن الحزن قد سرقه ليغدو بعالم الكبار قبل أوانه ، تقدم لهم الوالدة الطعام بكثير من الحب و من ثم يندسوا في أسرّتهم .. يشعرون بالدفئ .. بالآمان بينما ذلك الذي إهترأ جسده من العمل يجابه ما يجوب خاطره .. ما لا ينفك عن ملازمته ، مرت ذكرياتهم من أمام مخيلتها و هي ما تزال تسير و تسير .. هبات الهواء التي أصبحت باردة معلنة عن قدوم شتاء غير معلوم الملامح عادت لتذكرها لملامح طقس كما اليوم حيث أدركت حقيقة ما يواجه الطفل الصغير من خلال إستراقها لحروف والدتها التي كانت تتحدث على الهاتف مع أحدهم .. كانت تبكي ، تطلب المساعدة .. توقفت بمكانها و هي تناظر والدتها بهذا الحال .. ( : هل من تتحدث عنه هو جاي ؟! )


إرتطم هذا الإختيار أمامها فإختنقت بأنفاسها ، كيف يكون هذا !؟ كيف للعالم أن يكون قاسٍ بهذا الشكل مرض يرفض الجميع أن يذكروا إسمه و كأنه لعنة .. بل هو بالفعل لعنة ... ورم خبيث ، تفكيرها الصغير لم يدرك حروف والدتها جميعها .. هل حالته سيئة لهذا الحد ؟! مر من أمامها طيفه المبتسم فدمعت عيناها خوفا من فقدانه ، خوفا مما سيؤول إليه أخاه بعدما فقد والديه .. هل سيغادره أخاه أيضا أم أنه سيكون رحيما بحاله و يبقى بجانبه ( : جاي هيونغ كن قويا من أجل أخاك أرجوك .. )


نطقت حروفها بالعلن فأدركت والدتها وجودها أغلقت الهاتف سريعا و مسحت دموعها ، إقتربت بخطواتها الخائفة بإتجاه إبنتها و عانقتها تطمئن حالها .. ( هل سيزهر العالم يوما لنا يا أمي )


تابعت حروفها مجددا مستفسرة ، كان الصمت الجواب الوحيد الذي تلقته .... حقيقة شنيعة أدركتها للتو ، هل ستتمكن من إخفاء ألمها أمام تاي ، أم أنها ستنهمر دموعها رغما عنها .. باتت هذه اللحظة التي تصلي من أجلها عوضا عن تلك التي كانت تصلي كل يوم بأن تكون قوية بها .. بأن تتمكن من الدفاع عن نفسها أمام والدها الذي يأتي صارخا بحروفه الثملة الخالية من روح الأبوة ، وسادتها ترطبت بالدموع قبل يوم من لقائه .. و عندما شاء القدر بأن يلتقوا وقد أصبح قلبها يدرك ما يعيشانه الآن .. قبلها على جبينها شعرت بدفء يكتسي قلبها ، بحرارة تلفح جسدها تمالكت نفسها و أسكتت ألمها لحال جاي بروح الشيء الجميل الذي عاشته للحظات بقبلته


( : دوك دوك دوك .. هذا الصوت ، سأخبرك ماهيته في لقائنا القادم )


أخبرته بهذه الحروف قبل أن يغادرها .. عادت وقد تسللت إبتسامة عذبة لشفتيها كلما تذكرت القرب الذي كان يفصل بينهما ، رسمت الزهور طريقا ورديا أمام مخيلتها بوجودهم الإثنان فقط .. أفكار طفولية قد بدأت تخط أول خطواتها في البلوغ كانت تستحوذ على تفكيرها طيلة الوقت حتى جاء ذلك الخبر الذي شل جميع حواسها ..


( جاي .. قد غادر .. )


حروف ممزقة خرجت من بين دموع والدتها التي سقطت أرضا بعد أن لم يستطع الجدار مساندتها في حمل ثقل قلبها ..


( غادر .. جاي غادر ، هل تمازحينني !؟ )


إستنكرت ببكاء لتعود و تخيم غيوم سوداء أمامها ، إختفت الزهور التي كانت قد رسمتها لتصبح رماد .. رماد ذو رائحة كريهه .. رائحة الموت .


إستفاقت من ذكرى مؤلمة مرت بها و مسحت دموعها التي كانت قد إنهمرت بغزارة ، تمالكت نفسها و إبتلعت ريقها بغصه تستطرد ذكريات مؤلمة قد عادت لتخيم عليها مجددا ، أشارت لسيارة الأجرة و إستوقفتها ، صعدت بها و أخبرت صاحبها بمكان وجهتها ، و بإنعكاس زجاج النافذة رأت ملامح وجهها الذابلة .. بالفعل مزين ببعض مساحيق التجميل التي قد إعتادت عليهن منذ وقت قصير لكن دموعها قد شوهتهن بالفعل ...


لم يشفى أحد مما حصل ، فغيابه أمر مؤلم .. مؤلم حد الموت .. وكما تأثر الجميع لموته كان تاي الأكثر ضررا بهذا الفقدان فقد لازم المشفى عدة أيام وقد ساء حاله أكثر و أكثر عما سبق ، بأي حق سيبقى وحيدا وقد تركه أخاه أيضا ؟! لم يتركوه الثلاثة وحده ولا دقيقة واحدة بالرغم من أنه كان جثة هامدة بلا حراك .. بلا كلام ، لكنه بالفعل أصبح جزء منهم فكيف سيهون عليهم تركه ، بعد الكثير من الدعاء و الرجاء فتح عيناه أمامها فبكت .. بكت لقاء عيناه مجددا ، عانقته وبخته بنظراتها .. إمتنت لعودته لجانبها ، روحان إجتمعتا مجددا بعد الكثير من الوقت .. بعد الكثير من الألم ، ذلك السر الذي وعدته بإخباره به خبئته بجوفها ليتحسن حاله أكثر .. بل ليصبح مدركا لواقعه ، نظراته شروده .. حروفه جميعها تغيرت ، و كأنه شخصا آخر لم يعد تاي القديم ، من سيبقى كحاله بعدما حصل له ما حصل ، بقيت العائلة بجانبه .. يخففون ألمه و حزنه ، وجبات طعام مليئة بالفائدة كانت تقدمها له أمه الإفتراضيه عله يستعيد بعضا من قوته ، يتناول القليل و يسرقه شروده لعالمه الكثير ..


عاد في تلك الليلة برفقة فتاه شابه قد تجعد وجهها من أثر الدموع غير المتوقفه حتى و إن سرقها النوم .. فكيف لا و قد كان خيالها و إياه أكبر من أي حقيقة ، ناظرته الفتاه الصغيرة بغرابة من هوية الشابه فأجابها بحروف كاذبة أدركتها سريعا ، جلسا على الأريكة و أبت أن تغادره ، ستبقى بجانبه للأبد ، إتكأت برأسها على كتفه و أغلقت عيناها تدعو بداخلها أن يبقى قويا أن لا يغادرها .. بينما هو قد سرقه عالمه مجددا ، و في تلك الغرفة إنهمرت دموعها مجددا .. و مجددا .


أشرقت شمس صباح يوم جديد لترتطم بوجهه.. فتح عيناه ليراها أمامه بملامحها المرهقة ، رفع يده و أبعد شعر ناصيتها عن وجهها ، أغلق عيناه من جديد وقد تلطخت ذاكرته بالكثير ... فزع و إستفاق على نفسه فيعود هدوء مريح لقلبه إقترب منها أكثر و خبئ نفسه بقربها ، من بعيد إقتربت تشاون و ناظرته .. إنتقلت أنظارها للفتاه الغريبة التي تنام بجانبه .. تنهدت بخوف و إقتربت خطوة أخرى لتصبح أمامه مدت يدها و قالت بهدوءها المعتاد ( : تاي ... )


أبعد أنظاره عن سيلفا بإتجاه تشاون حينها توقف الوقت لثلاثتهم بعد أن إستفاقت على إثر صوت هذا الغريب عنها قائلا ...


( : إبقي بجانبي.. ) تشبث بها أكثر و تابع ببكاء ( : فلتجعليني سعيدا .. )


تراجعت تشاون خطوة للخلف بخوف بينما زاد إتساع عينا سيلفا من هول الكلمات التي سمعتها للتو ، دوى صوت بكائه في أرجاء الغرفة .. إنهمرت دموع تشاون بغزارة من دون أي إدراك ، ما الذي يجري له .. إقتربت منه مجددا و تابعت بحرقة ( : تاااي .. )


حاولت سيلفا أن تبتعد عنه لكنه أبى ذلك .. بقي متمسكا بها و كأنه طفلها ، جزء منها يأبى أن يشاركه بها أحد .


أعادت سؤالها ببكاء ( : تااااي هل أنت بخير ؟! تااي أجبني . )


قوته التي كانت تتشبث بها بدأت تتوارى شيئا فشيء لتسقط يده برضوخ و كذلك أنفاسه التي لم تعد مسموعه بوضوح ....


تعجبت سيلفا لأمر هذا الغريب بينما أدركت تشاون أنه قد فقد وعيه مجددا .. قلبها تمزق لرؤيته بهذا الحال ، بأي عالم أنت تاي !؟ بأي حال أنت ؟!؟!؟!


زياره ثانية للمشفى كانت من نصيب تاي ، يوم و إثنان و ثلاث .. كلماته باتت مختلفة و كذلك نظراته ،يطلب سيلفا بإستمرار يبكي لوجودها و حين آخر يطلب تشاون و عائلتها ... حار الأطبار بحاله المضطرب بإزدواجيه طباعه.


( : هناك خطب ما في عقله .. )


قالها الطبيب على مسامع تشاون و والدتها بالإضافة إلى سيلفا التي كانت تأتي على عجل بعد بكاء و ترجي تشاون لها ( : أرجوك تعالي ... إنه يطلبك ، يرفض الطعام و الشراب أرجوك أيتها الآنسة ... )


حروف إستمرت تشاون بلفظها في كل حين ينتكس حال تاي ، و في صمت تبكي ما آل إليه حاله ، كان يتخبط في عالمه بين حقيقة و خيال بين عالمان منفصلان أحدهما يليح بجماله من بعيد بطلب المزيد و المزيد من سعادة وهمية إبتدعها عقله بوجود سيلفا وكأنه بوجودها برفقته سيزوره مطلبه و عالم آخر أسود كالكحل متلطخ بالدماء ، ملامح ذلك الشاب تطارده ، تؤنبه .. جانب الخير يناضل من أجل حقوقه و جانب الشر و الغضب إتجاه ما يعيش ينازع و بقوة على كل نفس يتنفسه ، يجلس وحيدا في غرفته بالمشفى حيث أمر الطبيب ببقائه حتى يصبح بحال أفضل .. هلوسات و أوهام ما كان يتفوه به كل الوقت و كأن عالمه غير عالمهم البتة ، حينا يبكي و حين يضحك حد الجنون .


( : بماذا تفكر تاي ؟! )


سألت تشاون بعد إنتهائه من نوبة الضحك التي لازمته ، نظر لها لعدة لحظات فأعادت سؤالها و الدموع تملأ عيناها ( : تااااي .. بماذا تفكر أجبني ؟ )


ألقى برأسه المرهق على كتفها و همس بإضطراب حروفه قائلا ( : لقد كنت مجبرا تشاون .. لم أكن أريد فعل ذلك . )


أغلقت تشاون عيناها لتنهمر دموعها الحارة على وجنتيها ، رفعت يدها و ربتت على رأسه ( : لا بأس تاي . )


مرت بعض لحظات حتى أبعد تاي رأسه عنها و نظر حيث الفراغ و بدأ بترديد حروفه التي إختلطت ببعضها ( : يستحق ما حصل به ، مهما كنت سعيدا ستغادرك السعادة ...بل يجب عليها الإبتعاد ، لا يجب أن يكون سعيدا لوقت طويل يجب أن تنصف السعادة فسها بين الجميع ، سأكون سعيدا .. سأكون سعيدا )


نوبة بكاء لم تنتهي إلا بعد عدة ساعات غفى بهن تاي على صوت غناء تشاون الممزوج بالبكاء .. شبح يطارده دائما يذكره بفعلته ، ذلك الشاب الذي زف بملابسه الرسميه ليتوج و حبيبته كزوجان أمام العالم ،لا يعتقه .. يظهر أمامه في الحقيقة و الخيال يطارده في أحلامه فيفر هاربا منه بين ظلام أسود .. طريق لا ينتهي ، مهما ركض و ركض يبقى الطريق طويلا أمامه ، تنقطع أنفاسه فيستفيق على نفسه نظراته الممتلئة بالخوف يتفقد المكان حوله يغطي نفسه بالغطاء بعد أن كور نفسه لتتسلل أنفاسه المذعورة في أرجاء الغرفة .. يهيء له جاي فيسرع لعناقه عله يستمد بعض القوة منه


( : جاي .. لا تبتعد عني أرجوك ، فلتبقى بجانبي )


يتفقد أخاه بيداه الباردتان ثم يبتسم له إبتسامة شاحبه فيبتسم تاي على إثرها .. تدفيء قلبه بالرغم من برودها المميت الذي يقر بقوة أنه الآن بين أوهامه الضائعة .. في نعيمه المفقود .......


كرست تشاون وقتها له و في ساعات إنشغالها تأخذ السيدة كيم أو جونيور عنها هذه المهمة ، بينما سيلفا كانت ما تزال تبكي غيابه عنها .. حاول والداها أن يخرجاها مما هي فيه بالتعاون مع رفاقها لكن هذا الشيء كان من المحال فكيف ستوقف دموعها عن الإنهمار في كل دقيقة تتذكره بها .. تتذكر جنونهم في الحب معا ....بوجود من لا يكف عن طلب السعادة منها و كأنها منبعها ،، تاي ....


كانت قضية القتل قضية غامضة إذ لا يوجد هناك أي من ينوي الشر لهذه الزوج ... بعد إسبوعين من ذلك اليوم تقدم رجل لمركز البوليس ليخبرهم بفجيعة ما رأى حينما أراد أن يكتشف من يعبث بسيارته ليلا لتخرج الحقيقة المرة بوجود تاي و بين يديه السلاح أمام ذلك المكان الذي إحتوى زواجا زمردي ، تايهيونغ القاتل حقيقة كشفت لجميع رجال البوليس ....


في تلك الغرفة الباردة كانت تشاون تحاول إقناعه بأن يتناول طعامه حينما دخل الطبيب برفقه رجل بوليس ، كانت نظرات تشاون لهم مليئة بالتعجب بينما كان تاي في عالم منفصل عنهم لا أحد يراه سواه ، وقفت على قدماها و إقتربت منهم ثم غادر الثلاثة الغرفة


الطبيب ( : أين السيدة كيم ؟! )


شعرت تشاون بإضطراب نبضات قلبها حينما ترددت كلماته غير المفهومة أمامه مجددا


( : سامحوني ..)


( : أنا أعتذر ... )


( : تشاون أرجوك أبعديه عني ، أنا خائف )


همست بضعف ( : ماذا هناك أيها الطبيب !؟ )


تبادل الطبيب و رجل البوليس النظرات ثم أجابها الأخير ( : هل بإمكانك إخبارها بتوجب حضورها الآن )


أومأت تشاون برأسها و إبتعدت عنهم تناولت الهاتف المركزي المعلق على الجدار و طلبت أحدهم على الهاتف و عندما جائها الرد قالت بخوف ( : آنسة سيلفا .. )


جائها رد سيلفا الخالي من الروح ( : هل ساء حاله مجددا ؟! )


تذكرت تشاون الخاتم الذي يزين يد سيلفا فسألت ( : أنتي متزوجة ، أليس كذلك )


إنهمرت دموع سيلفا على وجنتيها و قالت بحرقة ( : ممم أجل ، بالطبع )


بدأت الدموع تتجمع بعينا تشاون حينما أكملت بإرتجاف ( : أين هو ؟! )


حينما جائها الرد أغلقت عيناها لتنهمر دموعها الحارقة على وجنتاها ، سقط الهاتف من بين يديها و تابعه سقوطها أرضا بعدما رسمت الحقيقة نفسها أمامها بوضوح مخيف ، إختلطت أنفاسها ببعضها و إرتجاف يديها بان للعلن ، صوت بكائها إرتد في الممر الأبيض الفارغ ليترك صدى مخيف ....


ماذا سيحصل الآن ، بأي حق سيقاضو ذنبه بأنه فقد أخاه ام انه فقد عقله وقد شخص حاله منذ أيام بإزدواج الشخصية.. هل سيكون للرحمة طريقا في ما سيحصل ، أمور كثيرة إختلطت ببعضها .. تفكيرها البسيط تمحور في إمكانيه تخفيف معاناته بوجودها .. بصوت غنائها ، بعناقها له .


ذكريات لا تعرف الرحمة تتسلل إلى عقلها لتسلبها فرحة لقائها به


( : هل أنتي بخير يا آنسة ؟ )


إستفسر حالها السائق بعد أن سمع صوت بكائها ، نظرت له بإبتسامة طفيفة رسمتها على شفتيها و أومأت له بأنها بخير ، فتابع بحروفه التي ملئت بالحكمة و الوقار لكبر سنه


( : هل ستلتقينه بعد كثير من الوقت ؟! )


همهمت من بين دموعها ( : أجل )


( : الحب الكبير سيخفي مرارة الغياب )


الحب الكبير سيخفي مرارة الغياب .. ترددت حروف هذه الجملة لعقلها عدة مرات ، غياب طويل إنسلخت به روحها لتفقد الكثير من الطفولة .. الكثير من الأحلام ، أحلام حلمت بها ذات مرة .. ستخبره سر ذلك الصوت لتعيش تجربة جديدة لطالما تباهت بخوضها فتيات فصلها ،، الحب ،، هل فر الحب منهم كما فر الأمل ؟!


ثبت جرمه بالقتل ليغدو قاتل بعمر السادسة عشر ، طفل قاتل .. حقيقة مرة فكر العامة بشناعتها مرارا و تكرارا ، كان القضاء رحيما به لصغر سنة و لوضعه العقلي .. سجن الأحداث كان مكانه بوجود الرعاية الصحية المناسبة لمرض الإزدواج الشخصية الذي أصابه بلا أي رحمه ... حب ذلك الزوجين أبى إلا أن يأخذ حقه بطريقته من قاتله ،،


عقلها لم يتوقف عن التفكير به بالرغم من بعدها عنه بالرغم من زيارتها له لمدة قصيرة مرة أو مرتين في الشهر ، حينا يهيء لها بأنه بحال أفضل و في الزيارة المقبلة يثبت لها العكس لتعود خائبة برفقة أخاها أو والدتها للمنزل لتعانق وحدتها بغيابه .. تنظر للغرفة التي كانت مكان الإخوين يوما ، تبكي الذكريات التي جمعتهم سويا ، أصبحت تتوق لسماع ذلك الصوت تضرب على صدرها علها تسمعه مجددا ، علها تشعر به مجددا ...


^دوك دوك دوك^


لكن كل ما كانت تسمعه هو صوت بكائها الذي إخترق الجدران ، ليعود و يرتطم بجسدها بلا أدنى رحمة لقلب هذه الفتاه الصغيرة ، أهملت كل شيء إلا التفكير به لم تفقد الأمل أبدا في كل مرة تزور سيلفا لتطلب منها أن تعفو عنه .. أن تسقط حقها ، فينتهي الأمر ببكاء الإثنتان كل منهن تتمسك بحبها .. تقوى كل يوم بالذكريات التي كانت بيوم حقيقة .


( : لن يتمكن أحد من معرفة ماهيه الحب الذي جمعنا .. لا تلومينني أيتها الصغيرة )


رد يخرج من بين دموعها إتجاه تشاون الجاثية على ركبتيها أمامها بدموع غير منتهيه ، تقترب منها سيلفا و تعانقها ...


( لا أستطيع .. لا أستطيع ......)


رد سيلفا في كل مرة ، عادت تشاون للمنزل بروح مجروحة بعد رد خائب جديد ، جلست على سريرها الذي ما يزال يمتلك بعضا من عبيره في أحشائه و هنا أُخذت لمكان بعيد ... حيث زهور تملأ الأرجاء ، صوت هدير الماء يشكل سمفونية حب لطيفة و من بعيد رأته يزرع الأزهار في التربة القاحلة .. بيده الماء يسقيها و يسقيها يترجاها للنمو .. لتكبر لتزين المكان ليصنع الجنة الخاصة به ، إنتبه لوجودها فترك ما بيده و إقترب بإبتسامة لامست شفتيه ، مع كل خطوة يقترب بها يعلو ذلك الصوت ليطمئن قلبها بعودته ...


(دوك دوك دوك ، ها هو يظهر مجددا بوجودك تاي


لقد مت شوقا له .. لك ، إني أشتاق إليك )


( أعتذر أيتها الفتاه الدافئة )


رمت نفسها على صدره وقد مدّت ياء الشوق و الحنين بين مسامات سترته ( : كم إشتقت لك ... )


كما حدث في مرتهم السابقة حدث الآن لكن بغياب تلك الطيور الساخطة .. فقط كانت الأزهار الإصطناعية من تشهد ما يعيشانه الآن ، راقصها على أنغام إبتدعتها الزهور الضعيفة التي وقفت بقوة امام هبات الريح التي تسللت من العدم وما زالت بحمية الدفاع عن ذلك الحب السرمدي أمام ما يعيشه هذين الإثنين من أولى ملامح للشيء المسمى بـ الحــــــــب .


نعيم مبتدع أقامه .. يعود لبنائه في كل مرة يهدم ، ما يزال ينادي السعادة لتعانقه ، لتكون له عوضا عن تحيزها لذلك الزوج فقط ..


رقصات تخلو من نمط .. تخلو من ترتيب مسبق ، تخلو من كل شيء إلا هم و محامي الدفاع خاصتهم ،، أشباه الزهور ،، أثلجت صدرها بقربه .. بوجوده بقربها وقد عاد لنفسه القديم


همس في أذنها ( : ذلك الوقت الذي كنت به بعمر العاشرة .. لقد كان جميلا )


أغلقت عيناها و بحروفها أجابته ( : حتى لقائك كنت فارغة .. سوا من كابوس واحد أفكر به كلما أستفيق على نفسي من شرود فارغ آخر )


( ليس فراغ و إنما دفء تشاون )


صوت صراخ عهدته كان السبب في إستعادتها لواقعها بعيدا عن ذلك العالم الذي سرقها للحظات ، نهضت على أقدامها و عند باب الغرفة أدركت أنه الكابوس .. ذلك الكابوس الذي تبغضه ، كانت سترتبك أنفاسها إلا أن مر من أمامها طيفه مبتسما مانحا إياها القوة ، إقتربت منه و إبتسمت على إثر إبتسامته ..


( : لا يوجد شيء لك هنا .. )


قالتها بصوت مرتفع ، صوت أدخل والدها بحالة ذهول فقد أدرك للتو كيف هو صوت إبنته .. صوت ذا بحة ، مشابه لصوت والدتها صوت كان السبب في وقوعه بالحب يوما ، أدرك توا أنه حرم نفسه منه لعدة سنين ، رفعت تشاون الهاتف و قد طلبت أحدهم كان والدها كالمغيب عن الوعي فما زال صوت إبنته يتردد في داخله .. إستذكر كل لقاء جمعه بها ، تقف بخوف .. أطرافها ترتجف .. صوت أنفاسها مبعثر ، حروف مستنجدة مختزلة بداخلها .. حروف يملئها الرهاب من الشخص الثمل أمامها .


( : هناك إعتداء من قبل شخص ثمل .. )


قالتها تشاون بعدما جائها رد رجل البوليس على مكالمتها ، إبتسم والدها ممتنا عندما سمع حروفها من جديد إقترب خطوة وقد حرضه قلبه على إحتواء إبنته للمرة الأولى .. إبتعادها خطوة للخلف كان السبب في توقف مواصلته ، تجمعت الدموع بعينيه ثم همس ( : صوتك دافئ .. دافئ للغاية )


هل تحرمه من سماع صوتها لتعاقبه أم تصفح عنه بعد رؤية دموعه الصادقة هذه ، هل تعفو عنه و تغفر ذنبه ؟!


( إن كان هناك عدلا .. فليأخذ مكانا في كل مكان )


قالتها بسرها و قد اخذت قرارها ، راقبت خروجه مجبرا بين يدين رجال البوليس وقد دوى صوت بكائه في أرجاء المنزل ، جلست أرضا و دموعها قد إنهمرت ..تعجبت أمر هذا البكاء فهو ليس بدافع الخوف .. ليس بدافع الرهاب الذي إعتادته في كل موقف كهذا


( لا أستطيع أن أسامحك .. أبي )


توقفت سيارة الأجرة فإلتف السائق ليوقظها من غفوة عقلها التي تملكتها مجددا ، نظرت له و إبتسمت مستهزئة و قالت ( : لم تستطع كلتانا أن تسامح... لا يحق لي أن أسامح ، أهذا كان حالها أيضا ... )


تسللت دمعة يتيمة من عينها ( : مؤلم حال الدنيا .. مؤلم حالنا يا سيدي )


منحته النقود و قبل ذلك منحته إبتسامة خفيفة بعدما أدركت الحقيقة التي قالتها قبل لحظات .. خرجت من السيارة ليظهر ذلك المبنى الكبير المحاط بجدران عملاقة تحجب أي شعاع شمس و إن حاول التسلل ليعانق وحدة من بالداخل ... نحتاج إلى شتاء .. كي نبث له كل ما بصدرنا،،من ضيق من عتب .. أمطري يا سماء لتخفي دموع أبت أي شيء إلا النزول فرحا شوقا ألما ..


( أمطري ... )


***


THANK U,LOVR U, TRUST U


مع كل الحـــــب


نراكم في الجزء الرابع عشر و الأخير


أمطري أرعدي هزيم الرعد مواهاهاها >.< يخرووب بيت


بيت بيت ( مش عارفة مين) ، نوو كومنت الصراحة بس


انه قلبي يعورني T^T i hate u 

Comment