مذكرات تايهيونغ 4

النعيم المفقود


مـــــــVــــذكرات


لا تسألوا الطيــــر الشريد , لأي أسباب رحــــل ..!


إستيقظت بعد غيبوبة تملكتني بعد ذلك اليوم الطويل على صوت جاي هيونغ يحثني على النهوض للإستعداد للمدرسة ، فركت عيناي لأستفيق جيدا و نهضت عن السرير بإتجاه دورة المياة و من ثم وقفت أمام الباب أفكر بها .. هل أصبحت بحال أفضل هل إختفت صورة والدها من أمام مخيلتها ؟!


مر جونيور من جانبي و بيده أوعية الطعام ( : ستتأخر هكذا .. )


قالها و هو يضع الأوعية على الطاولة سرت بخطوات مرتبكة للأمام لكني لم أرى أحدا سوا جاي هيونغ و جونيور الذي جلس ليعد صندوق الطعام لجاي ، إقتربت منهم و أخذته منه ( : سأعده أنا .. )


تنهد ثم بدأ بتناول فطوره ( : لن تذهب والدتي للعمل اليوم ، لقد طلبت إجازة )


نظرت له بعدم إدراك ... هل ما تزال تشاون على حالها ( : هل أصبحت تشاون بخير ؟ )


اجابني و هو ينهض مجددا ( : من الأفضل أن تبقى والدتي بجانبها اليوم )


إبتلعت ريقي بغصة ، مرت دقائق أخرى كان بهن جاي هيونغ قد إستعد للمغادرة إلتقطت حقيبتي من دون أن أدرك ما الكتب التي بها و أمسكت بيده قلت بعجل ( : سأوصلك أنا .. )


نظر لي جونيور بتعجب فتابعت ( : بإمكانك الذهاب وحدك جونيور )


إصطحبت جاي لمدرسته و من ثم عدت للمنزل سريعا ألقيت حقيبتي على الأريكة و إتجهت للغرفة السيدة كيم طرقت الباب ثم دخلت فكانت تضع الوعاء أمامها و تطعم تشاون التي كانت كالوردة الذابلة ( : سيدة كيم .. لقد إعتذرت معلمتي عن الدروس )


لقد أصبحت كذبة قديمة لكني لم أفكر بغيرها ، إبتسمت لي بإمتنان فإقتربت خطوة و ما زلت أتفادي النظر لتشاون خوفا من أن يصيبها الإحراج ، قالت لي السيدة ( : هل بإمكانك الذهاب لشراء دواء للحرارة ؟ )


إبتمست ممتنا فها أنا سأقدم لها المساعدة أومأت برأسي ( : بالطبع .. سأجلبه في الحال )


غادرت المنزل راكضا بإتجاه الصيدلية و إشتريت الدواء ، كنت سأغادر لكني رأيت ذلك الدواء التي إشتريته لها قبل سنة و ما زالت تحتفظ به ، بتفكير غبي أخرجت المزيد من النقود و إبتعته .. كنت أسير و أنا أناظره بفرح ، دخلت المنزل فقابلت السيدة كيم في المطبخ و هي تنظف الأوعية إقتربت منها و قلت ( : ها هو الدواء .. ) إبتسمت ممتنة لي فتابعت ( : سأنظف الأوعية أنا .. فلتعودي لجانبها ).


رأيت الدموع يتجمعن بعينيها و تلك الإبتسامة المنكسرة ترتسم على شفتيها ، خلعت مأزر الطبخ و القفازات و بعثرت خصلات شعري ثم عادت للغرفة نظرت بإحباط للباب الذي أغلق للتو و في داخلي رغبة بالبقاء بجانبها أيضا ... لكن من سيكون أحن من والدتها ...


جلست على الأريكة و أنا أنتظر أي شيء لأقدمه لها مجددا، مرت ربع ساعة حتى خرجت السيدة كيم و قد إرتدت معطفها ، نظرت لها بتعجب فقالت و هي تلتقط بعض الأوراق عن الطاولة ( : سيأتي زميلي لمحطة الإنتظار .. سأسلمهن له ثم أعود ، هل بإمكانك الإعتناء بها حتى عودتي تاي ؟ )


شعرت بالخوف لسؤالها هل سأكون جيدا في رعايتها تابعت ( : سأعود سريعا . )


أومأت برأسي من دون أي تفكير فغادرت على عجل و جل همها هو العودة سريعا ، نظرت بإتجاه باب الغرفة وقد ساد الهدوء مجددا في المنزل ، سرت بخطوات بطيئة حتى وصلت للباب كان مشقوقا و ما تزال ممدة على السرير ، أصبحت بجانب السرير نظرت لها فكانت نائمة و تلك الفوطة موضوعة على جبينها ، جلست بهدوء على طرف السرير و تحسست الفوطة فكانت ساخنة أبعدتها عن جبينها و وضعتها مجددا في وعاء الماء قليلا ثم أعدتها ، إرتعش جسدها ، بخوف أدركت حينها أنني لم أخفف الماء فإنهمرت قطراته على رقبتها و وجهها بصورة عشوائية أبعدت الفوطة سريعا و همست ( : أعتذر .. )


لم تدري بوجودي حتى فعيناها ما يزلن مغمضتان و شفتاها كذلك ، عصرت الفوطة و وضعتها بخفة على جبينها توقفت أراقب ملامحها الهادئة حينا و حين يبين عليها الضيق ، مددت يدي و أمسكت بيدها فشدت عليها بقوة .. إن كنت خائفة أنا هنا تشاون ، لا تخافي ...


رفعت نظري لعيناها عندما بدأت تفتحهن بضعف إختفت كل الحروف أمامي فبقيت صامتا ، قالت بحروفها المرهقة ( : هل عدت من المدرسة ؟ )


تجمعت الدموع بعيناي من دون أن أدرك و أنا أقول لها كذبتنا ( : لقد إعتذرت المعلمة عن الدرس . )


إبتسمت مدركة كذبتي و أغمضت عيناها مجددا ( : تشاون .. ) قلت بلهفة .


فتحت عيناها مجددا فتابعت ( : هل أنتي بخير ؟! )


أغمضت عيناها قليلا و كأنها تخبرني بأنها ستكون بخير ، شدت على يدي أكثر فقربت يدي الأخرى و وضعتها فوق يدها ( : هل تريدين شيئا ؟ )


حركت رأسها بالنفي فأومأت لها لتتوقف عن إرهاق نفسها ، بقيت بجانبها أبدل الفوط و أعود لضم يدها .... بدأ ذلك الصوت بالظهور مجددا تجاهلته .. تناسيت أمره ، لن أغادرها بسببك .. لن أتركها بهذا الحال لتتوقف ... دوك دوك دوك ، إن بقيت هكذا حتى الصباح سأتحملك .. من أجلها .


مرت عشر دقائق حتى عادت السيدة كيم و أنفاسها متسارعة لربما ركضت طريق طويل خوفا على إبنتها ، بقيت ذلك اليوم بجانبهن منتظرا أي شيء أقوم به أحضر الماء .. أنظف الأوعية حتى بدأ حالها يتحسن ، في صباح يوم جديد أصرت السيدة كيم على ذهابي للمدرسة فذهبت و عقلي مشغول بها ... لم أعد ذلك البارد ، ذلك الذي يتجنب النظر لها يتجنب التحدث معها .. بات ذلك الصوت كروتين يومي لدي ، بينما هي لم تعد كما كانت .. هل هي محرجة من ذلك اليوم الذي رأيتها به في أضعف حالاتها أم أنها ستتبع نفس الطريقة التي إتبعتها للتخلص من المرض الذي أصيبت به أيضاً ....


ذهبنا في يوم مشمس إلى الحديقة التي إعتاد جاي هيونغ ذهابها برفقة جونيور ، كانت كبيرة و جميلة بها ألعاب بسيطة من دون آلات ضخمة و محركات ، أجلست جاي هيونغ على الأرجوحة و بدأت بدفعه .. جلست هي بالأرجوحة المجاورة لنا و بدأت بدفع قدماها لتحركها ، دفعت جاي هيونغ بقوة و إتجهت لها إنتظرت رجوعها للخلف و أمسكت بالسلاسل بيداي فتوقف الأرجوحة عن الحركة تماما ، إلتفت للخلف فتقابلت أعيننا بعد وقت طويل .


( : بإمكاني دفع نفسي بنفسي .. )


قالتها وقد أعادت وجهها للأمام ، إبتسمت بخفة و أنا أرى نفسي القديمة في ردها المبتذل .. دفعت الأرجوحة بقوة لتطير بلحظات في الهواء و تتطاير خصلات شعرها سمعت صوت ضحكاتها ترن في الأرجاء .. إرتعش قلبي فرحا بهذا الصوت ، بدأت أدفعها في كل مرة أقوى من التي قبلها لأسمع هذا الصوت مجددا و مجددا ...


كنت كالأحمق منشغلا بمراقبتها و نسيت للحظات أن جاي هيونغ وحده بقدماه الصغيرتان يحرك الأرجوحة لتطير كما تشاون ، إلتفت لمكان جاي هيونغ عندما دوى صوت بكائه في المكان و قفزت له سريعا رفعته عن الأرضية و قد إتسخت ملابسه بالتراب ، نظرت له بقلق ( : جاي هيوونغ .. ) إبتسم لي ثم أغلق عيناه ، هل فقد الوعي أم ماذا ركضت به للطريق العام متناسيا كل من حولي .. السيدة كيم و أبنائها الذي ركضوا خلفي ، كنت أسمع أصواتهم تنادي علي لكن لم أفكر أبدا أن أتوقف ولا للحظات فجل همي جاي هيونغ الذي فقد الوعي .. مر من أمام مخيلتي المرات المتعددة التي كان بها يفقد وعيه من دون أي سبب .. مرضه ، بكاء والدتي .. ألم والدي .. ثم هروبي في غرفتي أنتظر رد واحد ألا و هو ( لقد أصبح بخير ) ، إقترب من خطواتي جونيور لحظات حتى تجاوزني و إستوقف سيارة بعد أن قفز أمامها ، شكرا لك جونيور ... لقد سمعت جاي يبوح ذات مرة لجونيور عما يصيبه ، حمدت الله أن هناك من يدري بحاله غيره ، صعدنا في السيارة ثم صعدت السيدة كيم بينما بقي جونيور و تشاون في الخارج و أعينهم تموت قلقا عن حال جاي هيونغ ، طلبت مرارا من هذا الرجل الغريب أن يسرع للمشفى بينما كانت السيدة كيم تضم جاي هيونغ و تحثه على النهوض ... لم أدري بالوقت .. أو بالمكان الذي أنه به حتى خرج الطبيب من تلك الغرفة التي منعنا من دخولها قائلا ( : إنه بحاجة للقيام بعملية .. )


قلت مقاطعا و حروفي ترتجف ( : هل هو بهذا السوء ؟! )


دقت حروف وصلت لمسامعي ذات يوم بالرغم من إشغال نفسي عن سماعها ( الطبيب : ما زال المرض مسيطر عليه .. لكن إن لم يبقى لنا خيار آخر فسنضطر للقيام بالعملية ) .


إبتسم الطبيب بخفة معتقدا أنه سيريحني و أجاب سؤالي ( : من الأفضل القيام بها الآن .. )


طلب السيدة كيم على إنفراد بينما بقيت أنا أمام باب الغرفة الباردة و ضممت يداي لبعضهن ، هل لو كنت على دراية بمرضك هل كنت سأتفادى ما حدث اليوم ... جاي هيونغ أرجوك لا تتركني كما فعلوا ، لن أقوى على العيش بغيابك ، خارت قواي فسقطت أرضا سمحت لدموعي بالإنهمار من دون أي جدال أو عتاب فقد شعرت بأني وحيد في هذه الدنيا مجددا .. أعانق أرضية هذا المشفى الغريب ... ممر طويل يفتقد البشر ، سواد و ضباب أمام ناظري و دموعي هي الشيء الوحيد الذي يمدني بالدفء ...


كانت ساعات قليلة طويلة حتى إستفاق جاي هيونغ ضممته و عاتبته بعيناي ( : لا تتجرأ على تركي .. أهذا مفهوم )


رأيت الألم و الضعف بنظراته التي كانت لا تنفك عن النظر لي و كأنه يودعني ، كانت قد أخبرتني السيدة كيم أنها ستحاول جهدها لجمع الأموال لإجراء العملية .. ستفعل كل شيء ليبقى جاي هيونغ معنا ، لم يسمح له الطبيب بمغادرة غرفة العناية حتى .. مما أكد لي سوء حاله ، خرجت من المشفى بعد أن جاء جونيور و طلبت منه رعايته و ذهبت لأجمع النقود ، دخلت المتجر و جثوت على ركبتاي أمام صاحبه ( : هل بإمكانك أن تقرضني المال سيد بيون ؟! )


لم يجب سؤالي فكررت بصوت ممزوج بالدموع ( : أرجوك .. )


لحظات حتى شعرت بيده على رأسي قائلا ( : ماذا هناك تاي ؟! )


أخبرته بما يتوجب علي فعله لأخي و عندما نطق لساني بمبلغ العملية شهق مرتبكا ، أعلم أنه مبلغ كبير لكنني بحاجته أكثر من حاجتي لنفسي .. وعدني انه سيقدم لي قدر إستطاعته ، إنتظرته يوما كاملا قضيته عند جاي هيونغ في المشفى و عندما عدت لأخذ الأموال كانت لا شيء بالنسبة للمبلغ المطلوب ... شعرت بضيق شديد ، عجز و ألم لم اشعر به من قبل حتى لحظة وفاه والدتي ، ما يتوجب علي فعله لأحتفظ بك جاي هيونغ ... أخبرني بحق السماء ؟!!؟!؟


لم أتوقف عن التفكير بجمع الأموال أبدا ، جبت القرية و عندما أدركت أنها لن تنفعني عدت للمدينة و ليس مقصدي ذلك المشفى الذي به أخي و إنما أي شخص أستطيع من خلاله جمع الأموال قابلت الكثير و تحدثت مع الكثير بعضهم إستهزء مني و بعضهم أشفق علي لكن من دون أي فائدة حتى قابلت ذلك الرجل الذي يمتلك بشرة شبه مشوهة سألني عن غايتي فأخبرته بوضوح ( : النقود .. ) نظر لي بنظرة أربكتني فسألني مجددا عن عمري أجبته بأني في منتصف السادسة عشر إبتسم ببرود ثم طلب مني أن أتبعه حتى وصلنا لطريق معتم بالرغم من وجود الشمس في وسط السماء ، سرت خلفه و دخلنا بباب ثم آخر و آخر حتى رأيت أناس كثر بلباس أسود لا يظهر من ملامحهم شيء طلب مني الإنتظار قليلا و دخل لتلك الغرفة ذات الباب الأسود الكبير كنت أستمع همساتهم و حوارهم بعدم وضوح لحظات حتى دوى صوت ضحكات أرعب كل من في المكان ... لم يكن مني إلا أن أكتم أنفاسي بيداي خوفا .. بردا .. قلقا لم أدرك حينها ما الذي كنت أشعر به حقا ، لم أبقى على حالي هكذا كثيرا إذ خرج مجددا و أشار لي بالدخول فدخلت بأقدامي المرتجفة ، رأيت أمامي رجل كبير خلف تلك الطاولة الواسعة و بعض رجال مشابهين لمن هم في الخارج يحيطون به ، جاء صوته الأجش ( : ما إسمك ؟! )


قلت بحروفي المرتجفة ( : تاي هيونغ ... )


إبتسم ببرود و قال ( : هل تعرف في أي طريق أنت الآن ؟! )


أجبته بنبرة أكثر وضوح ( : أريد النقود .. فقط . )


نهض على أقدامه و إقترب لي لفت نظري إحدى قدميه التي كانت عبارة عن قدم إصطناعية ثم رفعت نظري له ، قرب يده من وجهي و تحسسه بيده الباردة الفاقدة للروح ( : مممم .. لم تتجاوز السابعة عشر إذا ) صمت للحظات ثم تابع و هو يخرج من جيبه شيئا و يضعه أمامي ( : هل إستخدمت هذا مسبقا ؟! )


لمع بريقه في عيناي ، لم أراه سوا على التلفاز في الأفلام الأجنبية ، إرتعدت أوصالي و هو يقربه من رأسي متابعا ( : إن كنت تريد الأموال .. عليك إستخدام هذا أولا )


بدأت أشعر بقطرات العرق تبلل جبيني ، و نبضات قلبي التي تتردد في آذاني ، شعرت بيده تمسك بيدي و بذلك البرود الذي أصاب يدي عندما لامست يدي المسدس وضع سبابتي على زناده و وجه يدي و يده للحائط و قال ببرود ( : شيء بسيط .. ) ضغط على الزناد فإنطلقت الرصاصة لتخترق الحائط و قبل ذلك يدوي صوتها في المكان .. صوت أرعب قلبي و للحظات كنت سأسقط أرضا ، تابع ( : فقط هكذا .. )


أبعد يده عن يدي تاركا المسدس ( : فلتجرب بنفسك . )


كنت في صراع بداخلي ، هل ما أقوم به الآن صحيح .. أيهما يهمني هذا الشيء الأسود أم حياة جاي هيونغ ، من دون تفكير مليا ضغطت على الزناد لتخترق الحائط رصاصة ثانية ، أغلقت عيناي لتنهمر دموعي بصمت بينما دوى صوت تصفيقه .. ثم تصفيق رجاله ، هل سيمنحني الأموال الآن ؟!


فتحت عيناي و ناظرته بخوف ممزوج بالأمل همست بصوت أقسم أني نفسي لم أسمعه بوضوح ( : هـــل .. ستمنحنـــي الأمواال الآن ؟! )


قال لي ( : ماذا قلت !؟ )


رددت حروفي بنبرة أعلى قليلا ، حينها صرخ بحدة ( : إرفع صوتك .. كن رجلا . )


إرتبكت أنفاسي من صوت صراخه رددت في داخلي ( كن رجلا .. كن رجلا ) فصرخت كما صرخ ( : هل ستمنحني النقود الآن ؟! )


إقترب مني مجددا و قال و هو يناظر المسدس ( : سادعك تلهو به قليلا و من ثم أمنحك النقود .. هل إتفقنا ؟! )


شعرت بحرارة تضرب وجهي ، نظرت للمسدس الذي إستقر بالفعل بيدي و أدركت أني إن مشيت خطوة واحدة أخرى .. لن يكون هناك طريقا للعودة، أبدا .....


أخذ مني المسدس و قال و هو يشير لرجاله بأن يخرجوني ( : كما تريد .. )


سرت عنوة برفقة رجاله حتى عادت صورة جاي هيونغ أمام مخيلتي مجددا فحررت نفسي من أيديهم و عدت له جثوت على أقدامي و قلت بغصة ( : سأفعل ما تريد .. فقط إمنحني الأموال ، أعدك )


( : هل هذا جواب نهائي ؟! )


أومأت برأسي فأشار للرجل ذا البشرة الشبه مشوهة ، فإقترب مني و حثني على النهوض ، سرت خلفه و كأني مغيب عن الواقع خرجنا من المكان و صعدنا بسيارته الكبيرة ( : ستكون مهمتك الأولى بعد هذا الإختبار )


كنت أناظره و أناظر الطريق بخوف مرت قرابة العشر دقائق حتى توقف السيارة في مكان خالي خرج منها و إتجه لي فتح بابي و طلب مني الخروج ثم صعد بمكاني و أشار لي بيده على الكرسي الذي كان يجلس به قبل لحظات ، هل يطلب مني أن أقود !؟ لم أجرب ذلك يوما ... فعلت ما أمرني و بدأ بتعليمي القيادة بالرغم من شدة توتري من هذه التجربة الجديدة إلا أن الإصرار بداخلي كان أكبر من أي خوف و توتر ، لم أشعر بالوقت و أنا أقود و أقود في هذه البقعة الفارغة .. إشتدت السماء ظلمة و عندما قدت بسهولة من دون أي توجيه منه طلب مني القيادة في الطريق الذي جئنا به .. هل سأتمكن من القيادة في طريق مليء بالسيارات ، أخشى أني لا أستطيع نظرت له بتوتر فقال بإستهزاء ( : هل كنت تعتقد أن هذا هو الإختبار .. لم ترى شيئا بعد . )


أغلقت عيناي محبطا فيبدو أن هذا الإختبار سيأخذ وقتا أكثر مما توقعت ، أتمنى أن تكون بخير جاي هيونغ .. فقط إنتظرني ، قدت كما أمرني كان يطلب مني تجنب بعض الطرق قائلا أنها مراقبة ، إتبعت أوامره حتى وصلنا لذلك المكان مجددا فأوقفت المحرك و سرت خلفه دخلت الغرف التي تحيط بذلك الممر الطويل الذي سرته قبل ساعات لا أدرك به شيئا ، ألقى علي سترة واقية و كذلك قبعة و طلب مني إرتدائهن .. لبيت مطلبة و قبل أن ألتف له وجه لي عدة ضربات على صدري و وجهي قائلا ( :هيا .. تفادى ضرباتي . )


أدركت ما يريد ، قضينا في هذا القتال لعدة ساعات لم أدركهن منذ دخولي لهذا المكان المعتم .. فاقدا للإتصال بالخارج فاقدا للوقت ، عندما إنتهينا إصطحبني إلى إحدى الغرف و أخبرني ( : نم هنا . ) نظرت بأرجاء الغرفة فكان هناك العديد من الرجال ينامون بفوضوية في أرجاء الغرفة إتجهت لتلك الزاوية و ضممت قدماي لصدري أفكر و أفكر بأي مكان ألقيت به نفسي ، أغلقت عيناي مرهقا و لم أستفق إلا عندما ضربت أشعة الشمس وجهي ، فتحت عيناي بإرهاق فبالرغم من عملي المتواصل في متجر الخضراوات إلا أنني لم أبذل ذلك المجهود الذي بذلته في الأمس ، سرت برفقة الرجال منتقلين إلى غرفة واسعة كان بها العديد من أطباق الطعام ، إلتقطت واحدا و تناولته بهدوء و عندما إنتهيت جاء ذلك الرجل مجددا ، فنهضت و تبعته أدركت أن هذه الغرف التي تظهر ليست مجرد غرف عادية بل هي غرف تدريبات مختلفة فقد دخلنا لغرفة تلونت باللون الأسود ، مد لي مسدسا و طلب مني أن أسدد في تلك البقعة الحمراء على الحائط ، بدأت محاولاتي الفاشلة المرتبكة .. مرة و أخرى لم يؤنبني لسوء إطلاقي بينما إقترب مني و وضع يده على يدي و بدأ بتعليمي كيف أطلق النار و كأنه أستاذي في المدرسة و يعلمني كيف أحل مسألة ما ... قضيت الكثير من الوقت و أنا أتنقل بين هذه الغرف ، أنام و أستيقظ آكل و أشرب أراقب الشمس و هي تغرب كل يوم مع مرور اليوم سيكون يومي العاشر في هذا المكان ، شعرت بالإحباط لما أفعل و الألم لتركي لـ جاي هيونغ وحيدا مجددا فلابد أنه يعتقد أني تركته كما المرة الماضية ... أنهيت طبق طعامي و إتجهت لغرفة الرئيس أعاقني رجاله في بادئ الأمر و عندما أخبروه أني أنا سمح لي بالدخول ، جثوت على قدماي أمامه مجددا و قلت بعدم صبر ( : ألم يأن أواني بعد ؟! )


أجابني ( : هل تريد أن تستلم أول مهمة لك . )


إبتلعت ريقي و أجبته ( : أجل .. أرجوك . )


أخرج من درج الطاولة بعض الأوراق و قال و هو يقرب إحداهن لي ( : في هذا المكان سيكون حفل زفاف .. ستكون مهتمك أن تقتله . )


تجمد الدم بعروقي .. أقتله .. كيف ، لماذا ؟!


تابع بحروف تدعي الحزن ( : إنه رجل سيء .. يجبر الفقراء على دفع الأموال عنوة . )


هل يقول هذه الحروف كي لا أشعر بالشفقة و أنا أضغط على الزناد أم ماذا ؟!


أومأت له برأسي فإبتسم ( : إن نجحت في هذا المهمة سأمنحك الأموال .. و بعد ذلك سأوكلك مهام كثيرة ، لتحظى بأموال لن تستطيع عدها حتى ... )


سأكتفي بأن تمنحني الأموال لعملية أخي فقط .. هذا ما كان يتدافع على لساني لكني إكتفيت بإبتسامة ميتة كما التي ترتسم على شفتيه ، لا أدري حقا إن أدرك أني سآخذ الأموال و ألوذ بالفرار عن هذا المكان ، أم أنني سأكون واحدا من ضمن رجاله الذين في الخارج .


( : سأذهب لتفقد أخي قبل ذلك .. )


( : ممممم حسنا . )


تنهدت براحة و قد وافق على هذا الطلب ، خرجت من المكان سريعا بإتجاه المشفى لقد إشتقت له حد السماء .. إشتقت لهم جميعا بالرغم من أني كنت أفكر بهم في كل ليلة قبل أغلق عيناي مرهقا إلا أن وجوههم تلطخت بلون السواد الذي عشت به طيلة العشر الأيام الماضية ، كنت أناظر الطريق و كأني قد غبت عن هذه البلاد دهرا .. توقفت سيارة الأجرة أمام المشفى فخرجت سريعا بإتجاه غرفته على لساني الكثير من الأسف لغيابي المفاجئ كما ذاك .. هل سيقبلون بجواب مماثل أم أن حنقهم علي قد إزداد بخطورة وضع جاي هيونغ ، أزلت هذه الأفكار من رأسي فأنا أعرفهم جيدا .. سيدعون أنهم يتقبلون عذري الأحمق كما العادة ، أصبحت أمام باب الغرفة تجمدت قدماي أصابني خوف شديد .. هل في العشر أيام كان حاله يتحسن أم أنه يزداد سوءا ، أغلقت عيناي و رفعت يدي لصدري ضربته بقوة ( : تمالك نفسك تاي .. ) هذا ما همست به بيني و بين نفسي يجب أن لا يلحظو القسوة التي أصبحت أتقنها بجدارة يجب أن أخفي هذه اليد عنهم فهي قد لامست ذلك الشيء القذر ... فتحت عيناي عندما سمعت صوت فتح الباب توقفت أنفاسي بلا سبب ... دققت النظر لملامحه وقد عاد عقلي لرسم هذه الملامح الدافئة من جديد عوضا عن تلك السوداء .. إنها السيد ةكيم إقتربت مني و ضمتني .... ربما يجدر بي البكاء مثلها الآن ، لكن هناك شيء عالق في صدري منعني من ذلك إبتعدت عني بعد عدة دقائق مسحت دموعها و نظرت لي بعيناها المعاتبة ما زالت تلتزم الصمت الذي آلمني أكثر من مئة حروف قاسية ، إني أنتظر توبيخك لغيابي سيدة كيم .. عاتبيني ، وبخيني أرجوك لا تبقى صامتة بهذه النظرة فقط ....


( : أعتذر .. )


نطقتها بعد أن فقدت الأمل في تأنيبي من قبلها ، أومأت برأسها و كأنها تقول لي ( لا بأس تاي .. ما يهم أنك ما تزال على قيد الحياة ، لم تهرب .. لم تلقي بنفسك بعيدا .. )


تجمعت الدموع بعيناي عندما أمسكت يدي و قادتني إلى تلك الغرفة التي إضطرب قلبي منذ رأيت بابها .. فتحت الباب ليصبح ثلاثتهم أمامي إقترب مني جونيور و لكمني بقوة أقسم أني لم أشعر بها فنظرة جاي هيونغ و تشاون كانت كفيلة لأطلق الرصاص على رأسي الآن .. نظرة ألم .. حزن .. إمتنان و إبتسامة فرح ممزوجة بالدموع و كأني والدتهم التي قد عادت بعد غياب طويل ... طويل لقد كان طويلا بالفعل ، أيها الرب أشكرك لأنك منحتني تلك النظرات مجددا ، إستفقت على نفسي عندما لكمني جونيور مجددا ، رأيت السيدة كيم تقترب منه و تبعده عني لكنه كان يأبى ذلك .. رأيت الكثير من العتاب بعيناه و يبدو أنه خزنه لوقت نكون به وحدنا بعيدا عن جاي هيونغ ... لن يؤذيني أكثر من ذلك جاي ، إبتسمت براحة فقد سد الدين .. ذلك الدين الذي أصابني بالجنون في ذلك اليوم عند قدوم السيد كيم و أبيت إلا أن أضربه أمام أطفاله ..


( : يا لك من وغد أحمق .. )


قالها جونيور بغصة رفعت يدي و عوضا عن أضعها على فكي المحمر وضعتها على كتفه ( : أعتذر لن أكررها .. )


كانت نظرته مليئة بعدم الثقة لكنه تجاهل الأمر عندما عاد للخلف مقتربا من جاي قائلا ( : اووه اوووه أنظروا لهذه الإبتسامة .. )


رفع جاي هيونغ يده التي لاحظت نحافتها من تحت الغطاء و أشار لي بالإقتراب .. تقدمت خطوة بعد خطوة حينها أصبح المكان فارغا بخيالي سوا نحن الإثنين .. ما الذي يجد بي فعله لأعوضك .. لأستسمحك جاي أخبرني أرجوك ، جلست بجانبه وقد تجمدت يدي كيف سأمسكك بيدي ؟! .... هل علي أن أنظفها أولا ، و إن نظفتها هل سيزول ما فعلته و ما سأفعله ؟!


( : أخي أين كنت .. لقد كنت بإنتظارك . )


قالها بحروف مرهقة ، رفعت يدي و تحسست وجهه المصفر .. إنهمرت دمعة عقيمة من عيناي ( : جاي ستكون بخير صدقني .. أعدك ، لن يصيبك مكروه )


كان كلامي مبهم بالنسبة لهم ، كانوا يناظرون هذين الأخوين اللذان إفترقا لبضع الأيام .. إبتلعت دموعي و أنا أبعد يدي عن وجهه مجددا ، إبتسمت له تمنيت لو أستطيع أن أبتسم إبتسامة أصدق من هذه التي أرسمها على شفتاي الآن لكني لست قادرا ... إرتخت يدي على السرير الأبيض للحظات ثم نهضت ( : سأعود في المساء و في الغد ) أخذت نفسا عميقا ثم تابعت ( : في الغد سيجري لك الطبيب العملية .. حسنا ) .


شعرت بنظراتهم التي باتت تناظرني بغرابة وزعت تلك الإبتسامة الباردة عليهم و عندما وصلت إلى تشاون التي يتلألأن عيناها بسبب دموعها إختفت إبتسامتي .. إلا أنتي تشاون لن أستطيع أن أكذب عليك ، نهضت على قدماي و قلت مودعا بعد أن أبعدت نظري عنها ( : سأغادر الآن ... )


( : إلى أين ؟! )


قالها جونيور مستفسرا فأجبته ( : سأعود لا تقلق .. لن يطول الأمر )


هل أخفف على نفسي بهذه الكلمات أم أني أُسكت مجموعة أسئلة تطرق على ألسنة أربعتهم .. تجاهلت تلك النظرات و غادرت الغرفة و في كل نفس بداخلي أدعوا أن لا ينتهي بي الأمر مستسلما ... خرجت من المشفى لأناظر السماء أنتظر رؤيتها .. أمي هل يجوز أن أراك ، أرجوك إظهري لي عل قلبي يرتاح و لو قليلا ، بما انك في السماء هناك ألا تستطيعين إخباري أن جاي سيبقى برفقتي .. إنه لن يغادرني صحيح؟ أغلقت عيناي بعدة عدة دقائق ناظرا في سمائي الخاصة ...


( : تاي .. )


تغنى صوتها في أذناي مجددا ، إنك من أرسلها أمي لم يختفي إيماني بهذا الشيء بعد .. تشاون أخبريني بما تعجز والدتي عن إخباري به أتوسل إليك ، إلتفت للخلف لأراها تقترب مني بثوبها الأبيض الملائكي عيناها اللامعتان زدن لمعانا .. ترطبت جفونها عندما إنهمرت دموعها ، لا لا تبكي أرجوك فدموعي تجابه قسوة قلبي .. أحثها بإصرار على عدم النزول ، هل ستعانق رفيقاتها و تنزل برضوخ .. بدأت تقترب مني خطوة بعد خطوة و عندما أصبحت أمامي مباشرة رفعت وجهها تناظرني و يا ليتها لم تفعل .. إنهمرت دموعي الحمقاء للمرة الثانية اليوم ... حين لقاء جاي و الآن حين تلاقت نظراتي مع هذه الفتاه التي ما زلت أشك بحقيقتها ... شعرت بيدها تمسك بيدي و تربت عليها بكل رفق ، مهلا هل يهيء لي و كأنها تزيل عنها شيء لم تستطيع رؤيته أم ماذا ...


( : ماذا تفعلين ؟! )


سألتها بحدة ، لم تتوقف عما تفعله وعندما أعدت سؤالي أجابت بحروفها الممزوجة بالدموع ( : أضع عليها الدواء .. )


أغلقت عيناي بحنق ، هل تتلاعب بي الآن ؟!


( : لقد أصبحت خشنة .. و محمرة ؟! )


هل تتوقعين أني كنت أعاقب كما عوقبتِ .. هذا تفكير خاطئ تشاون فباطن يدي كانت عرين لذلك السلاح طيلة الأيام السابقة ، أخرجت من حقيبتها الدواء الذي كنت قد وضعته في حقيبتها و ألقيت بذاك الفارغ في القمامة من دون أن تعلم بشيء .. أمسكت بيدي و سرت خلفها حتى وصلنا لمقعد خشبي فتحت الدواء و بدأت بوضعه على يداي .. هذا حقا مثير للضحك كيف إنقلب الحال ، في الأمس كنت من يضعه على يدها و الآن هي من تفعل ... لمساتها كانت و كأنها أغنية رقيقة بألحان زمردية هربت من مكان بعيد ، أخذت أراقب هذه الملامح التي غابت عني و أنا أبتسم كالمغيبين عن الواقع .


( : هل ستبقون برفقتي ؟ )


كنت أعتقد أني قلتها بسري لكنها رفعت رأسها و نظرت لي متعجبة ، إبتلعت ريقي و قد أصابني الخوف من أي إستفسار عن هذا السؤال الأحمق الذي بدر مني فجأة لكنها إبتسمت قائلة و هي تعيد الدواء لحقيبتها ( :بالطبع .... )


تنهدت براحة و أنا أستمع لصوتها متناغم مع تلك النبضات التي لم تعد غريبة .. رفعت يداي اللتان أصبحتا رطبتان و أمسكت بوجهها قربته مني لتصبح ملامحها أكبر كما اليوم الذي هربت به من النوم مستيقظيا على صوتها .. حدقتا عيناها النقيتان و بياضها الملائكي ، إضطرابها و أنفاسها التي إختلت كنت الشاهد الوحيد على هذا ، إقتربت منها أكثر و برغبة فاقدة للطفولة قبلتها على جبينها الدافئ .... أغلقت عيناي لأحفظ هذه اللحظة بداخلي للأبد بالرغم من برودة شفتاي إلا أنني كنت أستمد الدفئ منها لتتلون شفتاي باللون الأحمر مجددا بعد إزرقاق مميت أصابها .....


إبتعدت عنها عندما إنهمرت دموعي مجددا ، فقد شعرت بضعف شديد يكتسي قلبي و يجعل من أطرافي كالموتى ... قربت يداي من وجنتيها و مسحت دموعي اللواتي سقطن طلبا للدفئ منها ..


( : في المساء .. سأنتظرك لأخبرك بشيء ما . )


رفعت يديها و أبعدت يدي عن وجهها ثم ضمتهن بين يديها و تابعت ( : تاي ... )


همهمت بحرقة فتابعت خجلة ( : دوك دوك دوك .. هل ما زلت تسمعه ؟! )


ضحكت من قلبي على سؤالها الذي كان يتقافز على لساني في كل حين أفكر بها .. آراها .. أو أسمع صوتها ...


( : حاولت إيقافه ، لكني لم أستطيع ... )


إبتسمتُ بإمتنان ( : و أنا كذلك .. إنه مرضنا تشاون . )


أطرقت عيناها في الأرض و أكاد أجزم أنها باتت تعلم معناه كما علمته مؤخرا بسماعي لأحد الرجال في ذلك المكان الأسود ( الحب .. )


هل يحق لنا أن نقع في الحب تشاون .. هل سنتمكن من ذلك حقا ، أتمنى ذلك .. قربتها لصدري ليدوي ذلك الصوت في أرجائنا ، أريد أن أراه يكبر و يعلو .. أريد أن أسمعه كل يوم .. كل دقيقة كل لحظة ، أرجوك أيها الرب دعني أحظى بهذا الشعور فهو الوحيد الذي يعيدني طفلا صغيرا يتناسى كل ما مر به .. أرجوك أيها الرب.


ودعتها بعد هذا العناق الدافئ و بصوت بدأ يختفي شيئا فشيئا حتى دخلت لذلك المكان مجددا ليختفي كما لو أنه لم يكون موجودا يوما ، أغلقت عيناي لأبحث عنه لكني فشلت حينما سمعت صوت الرصاص منبعثا من إحدى الغرف أدركت حينها أني سأبدأ مهمتي الآن ، إلتقيت بالرجل الكبير و منحني سلاح و هاتف و مفاتيح سيارة و أخيرا عاد ليعرض علي مكان هدفي إنحنيت له و غادرت المكان في كل حين يكبر صوت التردد بداخلي كنت أسكته بصورة جاي هيونغ المحفورة بداخل مخيلتي .. أصبحت أمام ذلك المنزل الكبير حيث تطايرت طيور لم أرى مثيلا لها ، رأيتها تطوف حول المكان هل هي الدافع الأخير لي بالتراجع أم أنها جاءت لتكون شاهدا على ما سأقوم به و تعود لتخبر والدتي في السماء عما سيقوم به ولدها ... نظرت بحنق لها ، إفعلي ذلك عودي لها و أخبريها أني سأكون قاتلا منذ هذه اللحظة .. أخبريها أني مللت إنتظارها و أبي ، و أخبريها أيضا أني أتقطع ألما على حال جاي هيونغ الذي تركته و فرت بعيدا لتلك الحياة .. أخبريها و أخبريها هناك الكثير هل ستستطيعين قوله لها أجمع ؟!


إقتربت من المكان و هنا مر طيفها من أمامي ،هل جئتي الآن .. لا يوجد وقت الآن أمي


( عد تاي .. أرجوك عد )


أومأت برأسي نافيا لن أعود أمي لن أتركه يذهب هكذا ، سيسترد عافيته و يعود لـ جاي الحيوي و الجميل بعيدا عن الذبول الذي به الآن .. أغلقت عيناي لتختفي شددت عليهن بقوة و لم ألقي بالا إن فقدت البصر بعد ذلك أم لا....


فتحت عيناي حينها أدركت أني ما زلت بالسيارة و ذلك المنزل يبعد عني عدة أمتار .. يداي تحيطان بالمقود و شلال دموعي يأبى التوقف


أرى يداي ترتجفان .. دقات قلبي تنبض بقوة و كأني أنهيت سباق للتو ، إبتلعت ريقي محاولا بجهد أن أهدأ أنفاسي المتسارعة ، رفعت يداي اللتان تحملان السلاح و ما زالت الرجفة تتملكهن .. قربتهن لوجهي مجددا و مسحت دموعي علني أستجمع بعضا من شجاعتي ، فتحت الباب و خرجت بإتجاه ذلك المنزل الكبير نظرت للسماء منتظرا تلك الطيور أو حتى طيف أمي لكني لم أرى أي من هذا .. تلك الرؤية لن تصبح حقيقة لن تحثني والدتي على التراجع ، بل و تلك الطيور إختبأت خلف الأشجار لكي تعفى من بوح جرم ولد لوالدته ، أزلت كل هذه التوهمات لتطرق مسامعي ألحان موسيقى كلاسيكية


، نظرت من بعيد حيث أصبحت الرؤية واضحة أمامي فكان الجميع يحول في هالة حب لم أرى لها مثيل .. شل تفكيري لعدة لحظات و أنا ما أزال أمسك بالسلاح .. لم أعد أرتجف و إنما ضعفت أمام هالة الحب التي حاوطتني كما حال الجميع همست بدون إدراك : كيف لهم أن يكونا جميلين هكذا ؟!


مر على حالي عدة دقائق و انا اناظر إبتساماتهما الصادقة تمنيت لو اني احظي بحب كما هو حالهما .. هل سيأتي علي يوما و أكون طائر حب مقدس كما هذا الذي شعرت أني اعرفة من سنين .. غبطهم و أثير قلبي بداء الغيرة ، كيف لهذا أن يحدث .. هل انا بوضع يسمح لي بالتفكير هكذا في مثل هذا الوقت ، استفقت من شرودي فإنسكبت دموعي رغما عني هل لاني سأودع النظر لهذا الحب .. أم لأني سقتله ؟!


رفعت السلاح مجددا ليصبح الفاصل بيني و بين حب سرمدي ، إرتجفت أوصالي ، بدأ صدري يهبط و يعلو .. عيناي شوشتهما الدموع الحارقة ، نظرت ليداي اللتان تحملان السلاح و لمحت الدماء الحمراء عليهما .. دماء شديدة الحمرة تلطخهما ، أصابني هلع غريب و أنفاسي قد إختنقت بين شهيق و زفير أغلقت عيناي لأتناسى كل شيء و أولهما ما آراه من بعيد تلمست بسبابتي زند السلاح وقد عادت تلك الهلوسات تلطخ تفكيري لأضعف بلحظة وأضغط على الزناد ، فتنطلق تلك الرصاصة بإتجاه هدفها بقوة مستميته لتخترق صدره المشتعل بالحب ويتحول قميصه الأبيض إلى بحر دماء لا تدرك طريق التراجع ...


توقف كل شيء بداخلي عن عمله الطبيعي .. بت أشعر أن قلبي قد توقف عن النبض أيضا .. لم أفكر بشيء .. لم أتفوه بشيء ، لم أتحرك خطوة واحدة حتى و كأني مغيب عن الواقع تماما أستشعرت ما فعلت و إسترجعت ما حدث قبل لحظات .. هل حقا أطلقت النار أم أنه كابوس بغيض و سينتهي ما إن أغلق عيناي اللتان لم ترمشان ولا لمرة صوت إطلاق النار ما زال يتردد في أذناي و يرتد صداه في أعماق قلبي أنزلت رأسي بضعف أناظر المسدس الذي ما زال دخان طفيف يتصاعد منه مما يؤكد لي شناعة ما جرى .. ليس كابوس و ليس حلم و إنما الحقيقة التي أرتعدت أطرافي من أجلها مجددا الضعف الذي تملكني أودى بي جاثيا على الأرض تعانق عيناي الأرضية القاحلة السوداء في هذا اليوم الربيعي .


عدت إلى اوراقي و رتبتها مع افكاري و تجمع تركيزي وطمأنينتيه من جديد .. آتى إلى سكوني حوار ساعات بعقاربه الضاربه الدقيقة .. ساعة في الجوار و أخرى مقابلة .. تتزنان في الطنين و المسير ، يتأخر الوقت كثيرا و كأنه يصرخ بي أو يصر علي كعجوز ثرثارة .. أن أنهض ... أن أتوقف ... أن أنام ! و تتبعها ضربات عصاها لتتوافق مع صوت العقارب .. لحظات قصيرة عدت بهن بين شتات الحقيقة و الحلم و كانت من أثر صوت سيارة الإسعاف التي صدح صوتها في الأرجاء فنهضت متعجلا لألوذ بالفرار إرتطمت قدماي ببعضهن البعض و أنا أسير نحو تلك السيارة السوداء التي لم أعتد عليها قط فتحتها بعد عدة محاولات يائسة من إضطراب حالي و عندما أصبحت بداخلها أغلقت جميع الأبواب بإحكام و إحتضنت نفسي بكلتا يدي ضاما صدري و رأسي كالطفل في يومه الأول في المدرسة .. يتملكني الخوف .. القلق .. الألم و الآسى .


بعد عدة لحظات أبعدت يدي عن صدري و مددتها أمامي أناظرها بتمعن لمحت عيناي الذابلتان في المرآة فغرقت في ذكريات كل دمعة قد هبطت منهن .. في كل إغلاقه لهن في ساعات الفجر وقد تنازعت الجروح لتستنفذ قواي ....


إستفقت على نفسي عندما شعرت بإهتزاز الهاتف على الكرسي الجانبي فمددت يدي و ما زالت ترتجف ليظهر أمام عيناي الدامعة إسم كرهته .. إسم إحتاجته .. إسم سيغير من حياتي للأبد ......إسم غريب علي .... الرقم الوحيد المحفوظ في هذا الهاتف


( السيد )


عندها إرتعدت أطرافي بخوف إكتسى قلبي فسقط الهاتف في أرضية السيارة إنخفضت سريعا و إلتقطته مجددا، إستقبلت المكالمة وقد إختفت حروفه بأولى الحروف الحادة التي وصلت إلى مسامعي


( : أيها الأحمق .. لقد ألغيت مهمتك ، فذلك الرجل نقل حفل زفافه لمكان آخر )


توقفت دموعي عن الإنهمار فلم أعد أملك طاقة ذرف المزيد حتى ، أطرقت برأسي أرضا و قد تحولت نظراتي ، لم أتفوه بحرف حتى جائني ذلك الصوت مجددا


( : غادر المكان حالا ..أيها الأحمق المتهور . )


لحظات حتى جائني صوت إغلاق الخط , لم أتحرك من مكاني لعدة لحظات أخرى فعاد الهاتف للرنين مجددا إستفقت بهن على نفسي فحركت مشغل السيارة بيداي المرتجفتان و قدت بسرعة جنونية متهورة تاركا خلفي عدد من سيارات البوليس التي حضرت للتو و سيارة إسعاف قد غادرت المكان بإتجاه المشفى ، مرت من جانبي فنظرت لها من دون أي تفكير بالعواقب همست بداخلي مختنقا : هل مات ؟!


بعد عدة أمتار إقتربت مني سيارة أخرى من نفس النوع الذي أقوده و ضيقت علي الطريق أدركت من فيها سريعا .. رجال السيد ، فسرت خلفها برضوخ و في ذلك الطريق الفارغ أسرعت تلك السيارة لتجتازني و تتوقف بصورة مفاجئه أمامي ، ضغطت على الفرامل فجأة لكني لم أتمكن من تفادي إرتطام عنيف إرتد جسدي على أثره للأمام و للخلف ثم أستقر رأسي على المقود .. لم أستفق بعد من الضربة التي ضربت رأسي و هزت جسدي لأرفع رأسي مضطرا بعد عدة ضربات قوية على الزجاج فتحت الباب بضعف و خرجت من السيارة و الدماء تملأ جبهتي ، جثوت أرضا أمامه ... لم يتردد عن ضربي بكلتا قدميه بقوة شرسة ، كانت الضربات تنهال على رأسي كزخات المطر الغاضبة اللاعنة بكلتا يديه كنت أحاول حماية رأسي بالرغم من أن ألم قلبي أكبر بكثير من كل الجروح التي تملأ جسدي : أعتذر ... أعتذر .. أعتذر ..


( : كيف لك أن لا تلقي بالا للهاتف ، ألم نمنحك إياه من أجل هذا الهدف .. أحمق )


لم أتوقف عن ترديد الاعتذار كما أن هذا الرجل لم يتوقف عن ضربي لاعنا ، خانتني حروفي كلها فلا شيء مما أدعوه يعاونني ، لا شيء بي يوافيني .. شعرت بالبرد بردا يعود و يخبرني مجددا أن لا اكترث لهموم أحد .. لا اشفق على أحد بل اتسلل بكل قسوة لارتطم بالأجساد العارية التي لا تجد ما يدفئها أو يحتضنها.


****


ما ضل عندي مسبات لحضرتك :|


بس إنه ليه هيكااا ليه؟! كانو حلوين


ومزز تبااا لكي شفايف T.T


شكرا لكم ، يُتبع 

Comment