مذكرات تايهيونغ 3

النعيم المفقود


مـــــVــــــذكرات


قلت لها ( : لماذا تفعلين كل هذا !؟ )


بدأت بالبكاء بصمت و دموعها الدافئة تنهمر على وجنتيها ، لعنت نفسي لما فعلت ثم إقتربت منها مجددا و ضممتها لصدري و كأني مخول لفعل هذا الشيء ... مسدت على ظهرها عدة لحظات حتى هدأت ، أبعدتها عني و مسحت دموعها بيدي ( : أعتذر .. لكن ما كان عليك فعل هذا . )


قالت من بين حروفها الممزقة ( : يخشى العودة وحيدا .. يخاف من الأولاد الآخرين . )


شددت على يداي اللتان تضمان أكتافها ( : حمقاء ... )


سرنا بإتجاه مكان أنوي الذهاب إليه و عندما أصبحنا أمام بابه الزجاجي أخبرتها أن تنتظر قليلا ، دخلت للداخل و طلبت دواء ليديها فمنحني الصيدلاني أحد الأدوية ، أخرجت النقود من جيبي و مددتهن له خائفا من أن يكونوا أقل من المبلغ المطلوب لكنه إبتسم لي و أعاد لي بعضا منه قائلا ( : هذا المقدار يكفي . )


تنهدت براحة و غادرت المكان إصطحبتها إلى أحد المقاعد و جلسنا فتحت الدواء و أمسكت بباطن يدها اليمنى و وضعته عليه كنت أشعر بنظراتها التي تراقبني بهدوء بينما أشغلت نفسي بوضع الدواء عوضا عن أي شعور أحمق كما الذي راودني في الأمس ، إنتهيت من يدها اليمنى فأبعدتها من بين يداي و إنتظرت أن تمد يدها اليسرى لكنها لم تفعل رفعت رأسي شيئا فشيئا عندها قابلتني دموعها المنهمرة ... دوك دوك دوك


يا إللهي لا يوجد أي رابط بيننا الآن .. ما هذا الصوت ، هل بت أستمع لنبضات قلبها عن بعد حتى ...


همست لي ( : أعتذر . )


قلت بالعلن ( : دوك دوك دوك .. هل تسمعين هذا الصوت ؟! )


نظرت لي بغرابة ( : ما هذا !؟ )


إبتسمت ببلاهة و أنا أنهض عن المقعد الخشبي تاركا الدواء على أرضيته ، رفعت يدي على صدري فبات ذلك الصوت أوضح و أوضح .. هل كانت هذه نبضات قلبي أنا .. لا لم أعتدها بهذا النغمة أبدا ، شعرت بإقترابها مني فقلت بحدة ( : توقفي . )


أغلقت عيناي أفكر بما يتوجب علي فعله الآن ، إلتفت للخلف و سرت بإتجاهها أمسكت بيديها و وضعتهن على صدري ( : هل تسمعينه الآن ... ) صمتُ للحظات ثم تابعت ( : دوك دوك دوك )


أشارت لي بالنفي فرفعت سبابتي إلى جبينها ( : والآن ؟! )


لم تجب فأنزلت سبابتي إلى أنفها ثم شفتاها .


تشاون ( : لا أسمع شيئا ... )


إختفت جميع الأصوات من حولي و من بعيد دوى صوت غناء والدتي , أخذ يقترب شيئا فشيئا رفعت رأسي للأعلى حيث مصدر الصوت فوجدتها بين الغيوم كما إعتدت أن أراها .. أمي ألم تكن ملاك قد أرسلتيها لحمايتي .. لمساعدتي ، لمسح دموعي .. أمي أجيبيني ..


لم تتوقف عن الغناء فإنهمرت دموعي الحارقة ما الذي آل له عقلي ، هل أصابني الجنون ...


أغلقت عيناي لتزول صورة والدتي من أمامي شددت عليهن بقوة و بداخلي بدأت أردد ( : غادري .. لا أريد أن أراكي .. غادري .. )


شعرت بضعف شديد تملكني لحظات حتى شعرت ببرود يكسوا أقدامي فتحت عيناي على إثره فأدركت أني كنت قد سقطت أرضا و أمامي تشاون تبكي تطلب مساعدة ممن حولنا ، رفعت يدي لوجهها و همست ( : إني بخير ... )


حاولت أن توقف بكائها لكنها فشلت فضمتني بقوة و قد إختلطت دموعها بمعطفي ، تنهدت بغصة لما سببته له ، مرت لحظات حتى وقفنا الإثنان ( : سأعيدك للمدرسة .. )


أومأت برأسها فسرنا بصمت لمدرستها و بعدها إتجهت لمدرستي و عندما جاء وقت الإختبار كنت أحاول بصعوبة أن أبعد كلتا الاثنتان عن أمامي .. أمي .. تشاون .


ربما أدركت بعدها أن تلك النبضات الغبية كانت نبضاتي أنا و ليست نبضاتها ...بما أن الإثنتان قريبتان لي فسأشعر بهذا الشعور و بهذه النبضات هذا ما أقنعت نفسي به بصعوبة .. مر فصل آخر و أنا أتجنب النظر لها .. لقائها .. محادثتها و إن كنت أبدو شخص سيء ، اليوم سيكون السنوية الأولى لوفاة والدتي .. مر الوقت سريعا و لم أشعر به ، ربما لأني ما زلت آرها .. أسمع صوتها فلم أشتاق لها كما هو حال جاي هيونغ الذي آراه في كثير من الأحيان شارد الذهن حزينا .. أمسكت ملابس رسمية سوداء قد أعدتهن السيدة كيم لي في الأمس ( : أعتذر لعدم تمكني من شراء ملابس جديدة لك .. إنها ملابس لجونيور من مآتم جدته . )


تلمست الملابس السوداء بكلتا يداي ، هل علي حقا إرتدائهن .. أكره اللون الأسود ، أكره أن أرتديه ، طرق الباب و بعد لحظات فُتح ، رفعت رأسي لأرى من يكون فكان جونيور الذي إقترب مني و جلس بجانبي ( : لابد أنك تشعر بالألم الآن .. ليس من العار أن تبكي )


إبتسمت بغصة و أنا أضم يده التي ربتت على كتفي ( : شكرا لك .. إنني ممتنا لك حتى الممات . )


جونيور ( : لا تقل هذا . )


قلت له بحروف ميتة ( : إن كنت أشعر بالألم سأبكي .. لا تقلق . )


أهداني إبتسامة هادئة و غادر الغرفة فنهضت على أقدامي و بدأت بإرتداء هذا اللباس الأسود ، عندما إنتهيت خرجت من الغرفة و كان ثلاثتهم ينتظروني و كذلك جاي هيونغ الصغير بلباسه الأسود الذي أفرح قلبه إذ أنه لباس جديد لا يدري حقيقته .. إني أشفق عليه ..


غادرنا المنزل بإتجاه قبر والدتي كانت السيدة كيم تمسك بحقائب الطعام بينما كنت أتشبث بـ جاي هيونغ كالطفل الصغير بينما يسير جونيور بجانبي و في الخلف تسير تشاون وحيدة ربما للآن تفكر بإختلاف معاملتي لها .. كيف لي أن أكون قريبا منها حينا و في حين آخر أكون أبعد ما يكون .. أعتذر أيتها الفتاه الدافئة ، فأنا لا أعلم ما الذي يحدث لي حتى ...


ما يفصلني عن مكانها الذي لبثت به سنة كاملة بعض خطوات .. من بعيد لمعت تلك الباقة في عيناي .. إنه أبي ...


أسرعت راكضا متجاهلا جاي هيونغ الذي أفلتُ يده من دون إدراك ، إلتقطت الباقة .. إنه نوع الزهور التي تفضله أمي .... أبي أرجوك عد لنا ، أرجوك لأخبرك بما أصابني ...


هويت أرضا بجانب قبرها بينما لم أعد أسمع صوت إقترابهم مني و كأنهم آثروا الإبتعاد لآخذ بعض من المساحة لأبكي .. لأعاتب .. لأصرخ ..... لكني إكتفيت بالصمت حتى الدموع لم تنهمر كما العادة ، مددت يدي و تلمست هذا المكان البارد ( : هل إشتقت لنا أمي .. هل تبكين أنتي أيضا لرحيلك عنا ، هل أخبرك أبي أنه بخير ؟ هل أصبح أبا جيدا ؟! هل أخبرك بموعد عودته لنا !؟ أجيبيني أمي .... )


أنزلت رأسي لأحتضنه بأقدامي و يداي ليس لأخفي دموعي و إنما لأجعلها ترى مدى إنكساري .. حزني .. ألمي ....


همست بداخلي بإصرار قوي أقوى من السابق عندما لم تتوقف عن الغناء ، عندما لم تجبني ... منحتها فرصة ثانية لكنها تكتفي ما زالت تكتفي بالصمت ( : غادري .. لا أريد رؤيتك بعد الآن )


إقترب مني بتردد جاي هيونغ و عانقني من الخلف ، إبتسمت بحسرة عندما شعرت بيداه الباردتان .. أعتذر جاي .. فأنني ضعيف للغاية لذلك الحد الذي لا أستطيع أن أقول لك إني بخير حتى .....


إنتهى ذلك اليوم الذي قضيته في غرفتي بمفردي بينما آثر جونيور و تشاون أن يداعبوا جاي هيونغ كي ينسى تلك الحقيقة المؤلمة ، كنت جالسا في السرير أنظر في الفراغ حينما دخلت السيدة كيم و بيدها وعاء مملوء بالفواكه ( : تناول هذه .. لقد إبتعتها بالأمس )


إبتسمت لها و أنا آخذ الوعاء من يدها ثم غادرت متألمة لحالي ، نظرت للوعاء و وضعته على الطاولة التي بجانب السرير و عاد ذلك الشرود يعيق تفكيري عن كل شيء سوا الصمت .. الهدوء .. اللاتفكير ...


مرت ثلاث أيام على سنوية والدتي كنت و كما أنها ماتت قبل أيام حزين لغيابها .. أسرح كثيرا أفكر بها و في كلماتي تلك التي أنبتها بهن ( : غادري ..لا أريد رؤيتك )


هل أصغت لحروفي و لم تعد تظهر أمامي ، كنت أنتظر قدومها في كل دقيقة ، لكنها لم تأتي ... هل حقا أستمعت لمطلب ولدها الجاثي على قبرها ؟! عدت للمنزل بعد أن لاحظ صاحب المتجر شرودي فطلب مني العودة للمنزل لأحظى على قسط من الراحة ، دخلت المنزل فلم أرى جاي هيونغ بمكانه المعتاد على الأريكة ،كنت سأل مستفسرا لكنها قالت و هي ترفع الأوعية عن الطاولة ( : لقد ذهب برفقة جونيور إلى الحديقة للعب .. ) ، تنهدت براحة لأني علمت مكانه لكن قلبي شعر بغصة لتقصيري إتجاهه ، هو أخي و من يجب عليه أن يصطحبه للحديقة هو أنا و ليس جونيور ، سرت بهدوء نحو غرفتي و قبل أن أغلق الباب على نفسي حالت يدها بين ذلك ( : هل تريد النوم الآن !؟ )


تجنبت النظر لها كما كنت أفعل و قلت ببرود ( : أجل . )


رفعت يدها إلى جبيني و قالت بقلق ( : هل أنت مريض ؟! )


أبعدت يدها عني بقوة ( : لا شأن لك بي .. ) ، تجاهلت إختلاف ملامحها للألم الذي سببته له و أغلقت الباب ، إتكأت عليه بألم ، مؤخرا لم أعد أفكر بشيء و كأني جسد بلا روح ... إستطردت ذلك الألم و ألقيت بنفسي على سريري .. تذكرت حينها أن هذا المكان هو مكانها و أنا من إستعمره ، هذه السرير لها .. هذه الغرفة لها ، ضربت برأسي للتفكير بهذا الموضوع و أغلقت عيناي بشدة أنادي على النوم ليزورني علني أرتاح قليلا من التفكير بلا شيء الذي يتملكني ...


بعد ربع ساعة من المحاولة نهضت و خرجت من غرفتي نظرت في الارجاء فلم أجدها .. سرت بإتجاه المطبخ هناك بدأت أستمع إلى صوت غنائها كانت جالسة على الكرسي و تضع شيئا على يداها أمعنت النظر له فأدركت أنه ذلك الدواء الذي إشتريته لها ، هل ما زال موجودا .. ألم ينفذ بعد !؟


إقتربت منها من دون إدراك و عندما أصبحت بجانبها تماما رفعت رأسها و بدأت إبتسامتها تختفي شيئا فشيئا كانت ستغادر المكان لكني أمسكتها ( : أما زلت تتغيبين عن الدرس الآخير ؟! )


تجنبت النظر لي و حاولت إبعاد يدي عن يدها ، كررت سؤالي و أنا أناظرها ، رفعت رأسها و أجابت بحدة ( : ليس لأجلك .. و إنما لأجله . )


يا ليتها لم تجب .. لو بقيت صامتة للأبد ، ما هذا الرد الفارغ .. تركت يدها و غادرت المكان عائدا إلى غرفتي ، ألعن نفسي فقط تناسيت هذا الأمر منشغلا بنفسي ... لم أدرك أنها حمقاء لذلك الحد الذي توبخ و تضرب به لأجل جاي هيونغ ، سمعت طرق بابي .. إنها هي طرق رقيق لحظات حتى جاء صوتها ( : إني أكذب .. لكني ما زلت أحتفظ به ، لانه منك .)


أخذت نفسا عميقا فجاء صوتها مجددا ( : لقد طلبت من أحد شبان فصله الأقوياء أن يعتني به .. )


همست بعدم تصديق ( : هل هذه الحقيقة ؟! )


( : لو لم أكف عن التغيب لكان وصل والدتي خبر بذلك تاي . )


تنهدت براحة فما تقوله الآن منطقي ، إلتفت للخلف و فتحت الباب و حينما تلاقت أعيننا ، لم أتفوه بحرف و كذلك هي ... دوك دوك دوك ....


ما الذي يجري لي بحق السماء ؟! أبعدت نظري عن عيناها سريعا عل ذلك الصوت يختفي و قلت مرتبكا ( : أين السيدة كيم ؟! )


أجابتني متعجبة ( : ألم تقل لنا في الصباح أنها ستتأخر حتى المساء .. لقد كنت موجودا . )


رفعت يدي و تحسست جبيني محرجا بالفعل كنت موجودا لكن ذهني كان مغيبا كما العادة ، قلت بإرتباك ( : اووه لقد نسيت . )


( : هل أنت جائع ؟ )


تنحنحت ثم قلت ( : بإمكاني إنتظار السيدة ، لا بأس )


إبتسمت بتلك الإبتسامة التي تدفعني بالإبتسام على إثرها و قالت و هي تدفعني للمطبخ بكلتا يديها ( : سأعد لك طبقي إذا .)


لم أستطع تفادي قوتها في دفعي ، عندما أصبحنا في المطبخ إرتدت مأزر الطبخ و بدأت بإخراج بعض المواد كنت واقفا أناظرها فقط لكنها إقتربت مني و بيدها مأزر آخر ( : إرتديه . )


نظرت لها مستنكرا فكررت ( : سأعلمك كيف تعده إنه سهل للغاية )


أخذت المأزر من يدها و حاولت وضعه على جسدي لكني لم أعرف كيف أرتديه فدائما ما كنت أرى والدتي مرتدية إياه لكني لم أفكر يوما عن كيفيه إرتدائه ، إقتربت مني و طلبت مني أن أنزل رأسي و عندما فعلت أدخلت تلك الفجوة الدائرية حتى إستوطنت عنقي ، كنت أناظر الأرضية حتى رأيتها ترفع قدماها و تقف على رؤوس أصابعها كي تتمكن من وضعها على عنقي ، فثنيت ركبتاي أكثر و رفعت رأسي لأرى إن أنتهت أم لا عندها تقابل وجهينا و ما يفصل بيننا هو بعض إنشات ، أصبحت عيناها كبيرتان اكثر .. بياضهن نقي للغاية و تلك الخالة التي تزين أنفها تزيد من جمالها ، رأيتها ترمش بعيناها محرجة لكني لم انوي الإبتعاد . أو الإلتفات لأي جانب لتفادي الإحراج تناسيت ألم ساقي بالإنثناء الذي أنا عليه ، تبدو كطفلة صغيرة تسير في الأرجاء حائرة محرجة ، إحمرت وجنتاها إضطربت أنفاسها أرى بعيناها توسل لأبتعد .. لأعتقها ، لأوقف هذا الحال الغريب الذي أصابها لكني لم أكن لألبي مطلبها ، لا أعلم لماذا .. هل أتلذذ برؤيتها هكذا أم ماذا


( دوك دوك دوك )


عاد ليطرب مسامعي ، لحظة واحدة إنه حقيقة و ليس خيال هل ما قالته الآن من نسج خيالي أم أنها نطقت به حقا ، راقبت شفتيها و هن يرددن مجددا ( : دوك دوك دوك )


همست لها بتعجب ( : ماذا ؟! )


أجابتني بخوف ( : هذا الصوت .. إنني أسمعه الآن ) صمتت للحظات ثم تابعت كالمغيبة عن الواقع ( : دوك دوك دوك )


إبتعدت عنها للخلف خطوة هل أصيبت بالعدوة مني .. هل فقدت عقلها ، يا إللهي .....


( : تاي ... ما هذا الذي أشعر به الآن ؟! )


رفعت نظري إلى عيناها فكانت الدموع تملأهن ، إبتعدت خطوة أخرى للخلف و قلت بحدة ( : أنا لم أسمعه ... إنك تتوهمين . )


ذهبت سريعا إلى غرفتي و أغلقت الباب خوفا من نفسي و خوفا عليها ،هل وصلت لحال أعدي به من حولي بمرضي ، أغلقت الباب بإحكام و هويت أرضا أفكر بما يتوجب علي فعله الآن لأدع ذلك الصوت يتركها و شأنها ، طرقت بابي مجددا إدعيت عدم السمع .. لم أجبها أغلقت عيناي و بدأت أفكر بمتجر الخضروات الذي شغلت به نفسي في كل حين أضعف لهذا الشعور .. بت أرسم زبائن و طلباتهم آخذ من هذا النقود و أعيد له الباقي بعد أن أحسبه بذهني و أطرحه ... توقفت عن الطرق حمدا لله إبتعدت عن الباب و عدت لسريري أبعد صوتها من أمام مخيلتي .. صورتها .. نظراتها ، إبتسامتها العذبة كل هذا كنت في عراك لأبعده من أمامي .. تبا عاد الطرق مجددا لكنه بقوة أكبر ، هل فقدت عقلها .. لن أقترب منها كي لا يتمكن منها المرض أكثر دوك دوك دوك أيها اللعين ألم يكفيك نفسي ..


جاء صوتها ( : تاااااااي ... أرجوك إفتح الباب .. )


نهضت على قدماي و قد سمعت إختلاف نبرة صوتها ، هل أصابها مكروه أم أنها تكذب .. لقد كذبت علي قبل قليل ، هل إعتادت الأمر ...جائني صوت بكائها فهرعت إلى الباب و فتحته لتضمني بقوة و خلفها رجل بآواخر الأربعينيات و ملامحه تدل على فرط ثمله .


قال بصوته الثمل المترنح ( : هاااي تشاون ألم تعرفيني .. أنسيتيني أم ماذا ؟! )


شعرت بيداها تتشبثان بي بقوة لم أشعر بها مسبقا ، حاولت فهم ما يجري لكني لم أصل إلى أي شيء مفيد سوا خوف تشاون المفرط من هذا الرجل ، أبعدتها خلف ظهري و قلت بحدة ( : من تكون يا رجل ؟ )


بدأ يقترب مني ، دب الرعب في قلبي فالشخص الثمل لن تستطيع أن تجاريه أو أن تفهم بما يفكر حتى .


اجابني بصوته الخشن ( : اووووه .. أنت من يجب أن يعرف بنفسه أيها الطفل . )


تجمدت اطرافي عندما وضع يده على كتفي و تابع ( : إبتعد عن طريقي .. هذا أفضل لك . )


تجاهلني بنظراته و قال و هو يناظرها ( : أخبريني أين تضع المال ؟؟ هيا أخبريني ).


إلتفت قليلا للخلف فرأيتها ما تزال تدفن رأسها في ظهري متجنبه النظر له ، حينها أدركت حقا أنها لا تنوي رؤيته ، رفعت يدي و أبعدت يده عن كتفي وقلت بحدة ( : ألا ترى أنها لا تريد رؤيتك ؟ )


قرب يده مني مجددا و أمسك بياقة معطفي و أقسم أني للحظات لم أعد أشعر بالأرضية بقدماي ، صرخ بي ( : ألم أخبرك أن تبتعد عن طريقي ؟! )


لم أفكر بشيء سوا تلقينه درسا ، فرفعت قدمي و ضربته على قدمه فإبتعد للخلف وضع يده على قدمه متألما ، بينما إلتفت للخلف و دفعت تشاون إلى الداخل و حاولت إغلاق الباب لكنها رفضت ذلك باكية ( : سيضربك .. صدقني . )


ترجيتها و أنا أبعد يداها عن طرف الباب لأتمكن من إغلاقه ( : أرجوك تشاون لا يوجد وقتا لهذا .. )


توقفت عن الكلام عندما شعرت بيداه تمسكان برقبتي من الخلف ، من دون أن أدري أصبحت أمامه صفعني على وجهي بقوة شعرت حينها ببرود إكتسى خدي .


( : إمنحوني الأموال و سأغادر . )


ألقاني أرضا ثم تجاوزني مقتربا من تشاون التي دخلت بنوبة بكاء جنونية ، رفعت جسدي عن الأرضية و إقتربت منه مجددا فكرت للحظات ثم جاب لناظري أصيص زهور موضوع على الطاولة في منتصف غرفة الجلوس التي نحن بها فإتجهت له سريعا و تناولته بيدي إقتربت منه و أنا أرفع الأصيص بمستوى رأسه كان صدري يعلو و يهبط خوفا مما سأقوم به و خوفا مضاعفا بمئة مرة على تشاون التي ما تزال تقف أمامه و تغلق عيناها باكية ، لم أشعر بنفسي وأنا أضربه على مؤخرة رأسه ليتكسر الأصيص إلى ثلاثة قطع تقريبا و من ثم يتناثر التراب أرضا ، إلتف لي بغضب عارم و عيناه تخرجان شرارا لم أرى له مثيل من قبل .. سيقتلني لا محاله ..


إنهال علي ضربا لذلك الحد الذي لم أعد أشعر به بالألم كان صوتها يستنجد بأن يتوقف ( : أبي أرجوك توقف .. أبي ... )


إنه والدها .. لهذا لم آراه يوما بينهم ، هل لهذا السبب أرى نظرة الحزن و الألم بعيناها دائما .. لم أعد أسمع صوت أنفاسه الثملة ولا صوت ضرباته على جسدي و إنما أسمع صوت بكائها فقط ( : تاي إنهض .. تاااي )


أصبحت كفاقد العقل الذي يضرب و ما تزال ضحكاته على وجهه ، ما ذلك السبب الذي يدعوني للضحك سوا أن هناك غيري يعاني في هذه الحياة ، فوالد هذه العائلة المتكافلة المتحابة هو هذا الشخص القذر .. ربما هناك قدر صعب لكل منا .


لم أعد أشعر بضرباته إستفقت من شرودي الغبي لأسمع صوت جونيور قائلا ( : أبي ... )


بجانبه أبعد جاي هيونغ العصير من أمام فمه مذهولا مما يرى فعنق هذا الرجل قد تلون بالدماء و كذلك وجهي ، رأيت الدموع بعيناه فإبتسمت له مطمأناً ، نهض الرجل على أقدامه و إقترب من جونيور تحدث بحروف مستعطفه ( : إمنحني الأموال جونيور .. )


أجابه جونيور بغصة ( : حسنا .. سأمنحك لكن فلتبقى هادئا حتى أجلبها لك . )


نهضت على قدماي و إقتربت من الإثنان قلت مستهزئا ( : هل ستمنحه الأموال حقا ؟! )


جونور بحدة ( : فلتبقى خارج الموضوع تاي . )


نظر لي والدهم و قال بغضب ( : لما كنت تركتك على قيد الحياة لولا .. )


إستوقفه جونيور و قد نظر إلى جاي هيونغ ( : أبي ... )


من بعيد نظرت إلى تشاون التي ما تزال تقف بمكانها ، تغلق عيناها و دموعها تنهمر بغزارة .. آلم قلبي رؤيتها بهذا المنظر فدفعت والدهم للخارج و أنا أقول من بين أسناني ( : فلتغادر حالا .. )


كان يجابه دفعي له بما تبقى له من قوة نتيجة ثملة حتى تلعثم بقدماه و سقط أرضا ، إقترب مني جونيور و لكمني على وجهي .. نظرت له بحيرة ، هل أنت أحمق أم ماذا !؟ ... و إن كان أباك ما فعله الآن لا يغتفر ..


جونيور ( : فلتأخذ جاي و تشاون للغرفة و تغلق الباب . )


لم أتحرك خطوة واحدة و أنا أفكر بما يحتمله جونيور من ألم لإصلاح موقف وضيع كهذا بأقل خسارة ممكنة ، شعرت بيدين جاي هيونغ يدفعنني لتلك الغرفة التي كنت بها قبل دقائق إستمع لصوت أحمق بهدوء ، عندما أصبحت بجانبها وضعت يدي على أكتافها و دفعتها للدخول كما قال جونيور ، أغلقت الباب و في الخارج عم هدوء تام ، هل جونيور بخير ؟! هذا السؤال الوحيد الذي كان يتراود لذهني .. نظرت إلى جاي هيونغ فكان يضم يد تشاون ، إبتسمت مستهزئا .. لقد كبرت جيدا جاي .. فها أنت تخفف عن الآخرين حتى ، سارت أنظاري بإتجاهها فكانت تضع يدها الآخرى أمام فمها لتكتم شهقاتها ، كم من الألم تحملت هذه العائلة بعيدا عن الحب الذي رأيته طيلة السنة الماضية .. هل وجود أب مختل كهذا يتوقع ظهوره في كل حين أمر يوازن إختفاءه تماما كما حال أبي .. أيهما أشدا ألم ؟!


لم أستطع أن أواسيها و إكتفيت بما قدمه لها جاي هيونغ من خلال يده الصغيرة الدافئة ... فتح الباب مجددا و كان جونيور الذي رسم إبتسامة مزيفة على شفتيه و قال براحة مصطنعة ( : لقد غادر . )


قلت له ( : هل أنت بخير ؟! )


زاد من إبتسامته قائلا بغصة ( : لقد إعتدنا على هذا الشيء ... )


تنهدت براحة و ما زلت أتفقده إن كان قد أصابه أذى ( : اووه حمدا لله ... أعتذر عما بدر مني )


ربت على كتفي قائلا ( : و أعتذر عن اللكمة .. لكنه أبي )


شعرت بغصة في حلقي فكيف وصل بي الحال لضرب والد أمام إبنته أو إبنه لقد كنت أحمقا حقا .. لا أملك من العقل كي أتعامل مع الموقف كما تعامل معه جونيور .. بل أذيت والدها و آذيتها أكثر إذ رأت دماءه تلطخ جسده ، إلتفت للخلف ناويا الإطمئنان عليها لكن صوت السيدة كيم الذي دوى في المنزل إستوقفني ( : جونيور .. هل جاء مجددا ؟! )


قالتها و هي تناظر المنزل المبعثر ، إقتربت من جونيور و تفقدته بكل حرص و خوف ثم نظرت لي و قد تلون وجهي من إثر الضربات ، إقتربت مني و ضمتني لصدرها ( : أعتذر .. تاي لتعريضك لمثل هذا الموقف ، أعتذر ... )


إبتعدت عني فقلت بغصة ( : لا بأس ، إنها إصابات بسيطة . )


لامست وجهي بيديها الناعمتين فآلمني ذلك ، أبعدت يدها سريعا و قد تجمعت الدموع بعيناها ( : سأضع المرهم عليها الآن . )


جاء صوت جاي هيونغ مرتبكا ( : تشاون نونا ... )


تحولت أنظار ثلاثتنا إلى جاي هيونغ ثم إلى تشاون التي ما تزال تقف بمكانها و عندما رأيت بنطالها تجمعت الدموع بعيناي ، إتجهت إلى جاي هيونغ و أخرجته من الغرفة بينما بقيت السيدة كيم وحدها برفقة تشاون ... جلست على الأريكة متناسيا كل آلام وجهي فقط أفكر بـ تشاون هل كانت خائفة لحد تبليل بنطالها .. إنها الأكثر تضررا بيننا ، نظر لي جاي هيونغ و هو يخفي ضحكاته ، نظرت له و صرخت به ( : توقف عن الضحك ... )


إختفت تلك الضحكات عن وجهه لتتحول إلى عبوس و من ثم بكاء ، إقترب منه جونيور و عانقه ، قال لي ( : لم صرخت عليه ؟ إنه ما يزال طفلا صغيرا لإدراك هذا الموقف . )


تنهدت بقوة ثم غادرت المنزل تمنيت لو أني كنت قد قضيت على حياته بتلك الضربة و ليس فقط ضربة خفيفة .. لم أتوقف عن المسير في الأرجاء سوا عندما أصبح الليل في منتصفه عدت للمنزل و كانت غرفة السيدة كيم أول مكان أقصده فتحت الباب و دخلت بهدوء كانت تضم تشاون و كأنها طفلة لم تتجاوز الرابعة من عمرها إقتربت من السرير و توقفت أناظرها ما زالت ملامح الإنزعاج تملىء وجهها و ذلك الشد الذي تعجبت يوم رؤيتي له عن سببه يظهر بشكل كبير .. ذلك الألم .. ذلك الموقف هو سبب هذا الإنزعاج ، كنت أريد أن أقترب منها لأضع سبابتي بين عيناها و إن لازمني ذلك الصوت طيلة الليل .. إن كان سيزيل حزنها و ألمها سأسمعه .. لن أطلب اختفائه ، خرجت من الغرفة و كنت بطريقي إلى غرفتي حينها رأيت جونيور واقفا يناظرني ، شعرت بإرتباك لم أعلم سببه نظرت له للحظات حتى تجنبت أن تتلاقي أعيننا ، سرت خلفه حتى الأريكة .. دام الصمت بيننا للحظات ثم قال بحروف مرتبكة ( : في كل مرة يأتي بها أبي إلى هنا تمرض و يسوء حالها .. ) تجمعت الدموع بعيناه و تابع ( : لم تراه يوما أب جيد .. فمنذ أن أدركت الحياة و هو هكذا ... ) تنحنح ( : أشعر بالشفقة عليه .. كلما تذكرت كيف كان يلاعبني في الصغر قبل أن يدمن الكحول و ممارسة القمار ، لقد كان أبا جيدا يصطحبني للحديقة و يشتري لي الألعاب ... ) مسح دموعه كنت أنتظر ما سيقوله لكنه لم يقل شيئا ..... رفعت يدي و ربت على كتفه ، هذا ما فعله لي عدة مرات مسبقا ها أنا أفعله له الآن ، إنني بجانبك جونيور لأساعدك .. سأستمع لك دائما ، سأكون صديقك كما أنت صديقي ...


****


ولك ليش بتحبي تعذبي هدوول المزز


قلبي الصغير انفجع T^T ، شكرا


لكم، يُتبع 

Comment