ثلاث وعشرون

الساعة٨:٠٠بتوقيت الجيزة (مصر)
أشتَدت العاصفة في تلك الليلة وتغلبت أصوات الهواء العالي على ضَجيج الناس عِندما انظر اليهم أرى فيهم كمٌ مِن الهمومِ والمشاكل
لنبتعد قليلًا عن هذا الضجيج وننسحب الى الزاوية المجهولة.
"مَشفى الهرم لـلأمراض النفسية"
مِن داخل غرفة الدكتور "أبيل الرفاعي"
_ يـا اللهيّ ما هـَذا الصداع أشعرُ بأن رأسي سينفجر
نَظرتُ الى الساعة المعلقة على الجدار لا زالت متوقفة كـتوقف حال المرضى
فتحت هَاتفي كانت الساعة الثامنة ليلاً حَدثتُ نَفسي  
-قـَاوم أرجـوك
لَم يَبقى ليّ سوىَ مَريضٌ واحد وأنهي دوام اليومِ
ضَغطتُ عَلى زِر الجَرس ليِدخل المريض 
جلست باعتدال استعدادًا للعاصفة الأخيرة طُرقَ الباب
_تفضل
دَخلت فتاة تَجلسُ عَلى عَربة مُعاقين اختفت مَلامحها مِن شِدة الهالات كان شعرها قصير كـشعر الأولاد
تَقدمتُ أنا نحوها وأغلقت مُساعدتي الباب وخرجت لِتَبدأ رحِلَتي مَع هَذهِ الفتاة
_انا الدكتور أبيل ،وانتِ مَا اسمكِ؟
تَنهدت بصوت مَسموع كأنها تُحذر دموعها من النزول
_اسمي أدانا
_اسمٌ لطيف، ما سبب مجيئكِ الى هنا ؟
نظرت لي بِحَدة وقالت
_ألم ترى حالتي ؟
_أرى كُل شيءٍ مِن حَولي وأشعرُ بِكم جَميعًا لَكن أريدُ أن أستمع الى جميع الأسباب أهدَئي ومِن ثُم أنظُري الى المرآة التي امامكِ واخبريها بالحكاية اتفقنا ؟
خَذلتها دِموعها وبدأت بالنزول واحدةٌ تِلوَ الأخرى نَظرت لها أطمئنُها وأخذتُ شهيق وزفير فَـفَعلت مِثلي  مُكررة
اخيرًا رفعت عيناها الى المرآة
_اه أتمنى الموت في كُل دقيقة لماذا القدر فعل بي كُل هَذا لا أستحقُ هَذا العذاب
كُنت فِي سِن التاسعة لَدي أمٌ وأبٍ طَموحين للغاية وانا ابنتهم الوحيدة وَرثتُ الذكاء مِنهم كُنت دائمًا مُتميزة في دراستي والأولى بَين زُملائي
في ذُكرى يوم ميلادي العاشر المصادف يوم ٢٠٠٨/١/١
أقام والدايّ حفل كبير و استضافاَ زمُلائي كان اجمل حفل ميلاد بالنسبة ليّ لَم تفُارق الفَرحةٌ قَلبي وباَتت الابتسامة على وجهي استمتعتُ فِي ذَلك اليوم جدًا
حان وقت الهدايا بعد ان قطعت الكعكة
كان الفضول يسكن تفكيري أريدُ مَعرفة هَدية أبيّ
فَتحتها جميعًا ولم اجد هديته نظرت له بخيبة ودموع ابتسم وهز رأسه بهدوء
_لَن انساكَ
لم افهم قوله ذهبت مع زملائي لنلعب ونأكل
بَعدما  أنتهى الحفل صعدت الى غرفتي وانا اسحب جسدي بصعوبة من التعب
دخلتُ وأغلقتُ الباب كُنت متناسية هدية أبي
تقدمت نحو التسريحة وبدأت بفتح شعري جذب انتباهي صندوق خشبي بجانب السرير فتحته باستغراب
ظهر لي فستان ابيض قد يحرق العين من شدة جماله
سحبته بسرعه كان اسفله صندوق يبدوا بداخله لعبة
تأكدت من احساسي حين فتحته كانت بداخله زجاجه كروية الشكل وبداخلها فتاة راقصة باليه ترقص حين تشغيلها وتبدأ الموسيقى والاضواء ،
نسيتُ الفستان ونظرت لها بتأمل كأنها غرست في قلبي حلم ...
من هنا بدأت الحكاية
اصبح حلمي الأكبر أن أصبح راقصة باليه أمي وأبي لَم يُمانعوا على العكس تَماماً كان تَحفيزهم يُقدمني الكثير من الخطوات
بدأت في ممارستها عندما أكملتُ الثانية عشر من عمري
أصبحتُ لا أستطيع العيش دونها استمريت في التدريب وأصبحتُ راقصة باليه محترفة
توقفت عَن الحديث وأجهشتُ بالبكاء
_تركتها تبكي كما تريد قمت بتشغيل بعض الموجات الصوتية لمساعدتها على اخراج بكائها المكتوم وتهدئتها
قلتُ لها:
_عِندما تشعرين بالقدرة على الحديث اكملي انا بجانبكِ
بعد ما يقارب خمس دقائق بدأت تهدأ
تَحَمحمت وعادت لتكمل
_أصبحتُ راقصة محترفة أحببتُ الرقص بشدة كان قلبي ينبض فرحًا ومشاعريّ تتحرك بدلاً مِن أقدامي
حتى جاء ذلك اليوم التعيس حين نَحر حُلمي وقرر ان يأخذ مني حلقة الوصل بين الرقص وجسدي
خرجت من قاعة الرقص في ذلك اليوم شعرت كأن فراشات في قلبي كنت سعيدة جدًا لحصولي على تَرقية ما قبل النهائي
خرجت الى الشارع وتقدمت للعبور الى سيارة والديّ الذي لوح لي بيده قبل أن أبتسم له ،فاجأتني سيارة مسرعة باتجاهي فقدتُ الوعي ولمَ استيقظ إلا بعد شهر
وها قد وجدتني مبتورة القدم والحياة
عشت أسوأ أيام،  ثلاثة سنوات وانا لم أستطيع العيش بصورة طبيعية لن يتفهموا شعوري
لا اريد شيء سوى الموت واذا لم يأتي سأذهب  اليه  أنا
اطفئتُ الصوت وقَمتُ بتغطية المرآة التي امامها احضرت لها كأس ماء وعدتُ الى مكانيّ
_ماذا كنتِ سَتصبحين لو أستَمريتي في الرقص؟
_احصل على الكثير من الجوائز
_تسمحي لي بالتكلم قليلًا ؟
نظرت لي وهزت رأسها بيأس
_هـل بإمكانكِ التوقع بشيء اسوء من الذي حصل ؟
وجهت نظرها الى قدمها في حيرة وتردد
_لا اعلم لم افكر بهذا الشيء
_ربما تأخذين كلامي بعدم التصديق لكن حقًا
لن يبعد الله شيء هوَ خيرًا لك أو ورُبما يعلم بأنك قوية وتستطيعين العيش بقدم واحدة وانتِ حرة في اختيار القرار المناسب
وضعت يدها على رأسها في حيرة وكأنها بدأت في التراجع عن قرارها اخذت دقائق على هذه الوضعية
رَفعت نظرها ليّ وقالت بانفعال   :
_لَن تشعروا بي ابدًا
قامت بتحريك العربة باتجاه الباب
_أدانا
_نعم 
_انا بإنتظاركِ بَعد أسبوع وأن أردتيّ المجيء قبل الموعد لا تتردديّ أبداً
ضَلت ساكنة في مكانها  ثُم نظرت ليّ وقد رأيت الحيرة والحزن في عيناها هزت رأسهـا بالموافقة وهمت بالخروج ضَغطتُ زِر الجرس الى مساعدتي حَتى تُساعدها.
حالة من الاف الحالات التي رأيتها لَكن هَذه المريضة تُعاني مِن ( اضطراب الكرب بعد الصدمة)
لَن أنسى قِصتها حَتَّى بعد أن اتممتُ رحلة علاجُها قَبِلَ أكثر من أسبوعين
أصبحت اظن نَفسي انني مريض مثلهم ولا يوجد اختلاف بيننا ...

✵زَهْـراء أرشَد

Comment