الفصل الثاني


في اللحظة التي أراد فيها سوكونا و ماهيتو التوجه الى المكتب استوقفهما صوت غوجو
"ألست ذاك الفتى من المدرسة ، لا اتذكر كثيرا لكنك تشبهه"
استدار الاثنان و بدا على سوكونا انه يحاول التذكر و ما ان عرفه حتى اشاح ببصره و بصوت متعب اجابه " ربما تكون مخطأ ، أول مرة اراك كانت في التلفاز "

"انا متأكد انه أنت و لكن اظن انك لا تتذكرني "

"هيا بنا نذهب ، فكما تعلم انا بشر و يجب ان انام"

قاطع ماهيتو كلامه فهو يعلم كم ان سوكونا لا يحب اي محادثات تشمل الماضي ... اداره ماهيتو صوب مكتبه و بدأ بدفعه من الخلف . ما إن دخلت حتى سأله سوكونا
"من الغريب أن تأتي إلى المشفى ، ألم تقل انك لا تحب رائحة المعقمات ؟ "

و هنا خطف لون ماهيتو فهو قد نسي السبب الرئيسي لوجوده هناك ، تحمحم و هو يحول ترتيب أفكاره و كيف سيزف الخبر الى الواقف أمامه
" في الحقيقة ، هناك سبب لكوني هنا .."

عقد سوكونا حاجبيه لشعوره و كأن شيء ما ليس بخير
" أسرع و قل ما لديك ، اتمنى فقط ان تنتهي هذه الليلة المشؤومة"

" اولا قبل كل شيء ، هل تعرف غوجو ساتورو ؟"

" أجل ، أتتذكر عندما اخبرتكم انه كان هناك فتى اعتدنا الذهاب الى نفس المدرسة الى ان تخرجنا من الاعداديه..
"الشخص الذي يثرثر و كأنه إذاعة في الراديو..."

"اجل انه غوجو ساتورو ، أشك ان هذا ما أتى بك الى هنا"
"إذن ، لما نفيت انك تعرفه ؟"

"لا احتاج الى اي دراما في حياتي يكفيني ما انا به. للمرة الأخيرة لما انت هنا ؟"

بدأ ماهيتو بحك رقبته بتوتر واضح و ذهب ليجلس على الأريكة ،تنهد قبل أن ينطق

" حسنا ، كنت مع هانامي في المنزل كالعادة نستمتع بوقتنا الى ان أذيع خبر وقوع حادث ، كان الموقع قرب المستشفى لذا كنا نعلم انهم سيطلبونك لذا اتصلت على مساعدتك و طلبت منها الا تهاتفك ، أخبرتني ان الموجدون في الادارة سيفعلون ذلك ، فكرنا و خرجنا باستنتاج اننا يجب ان نغلق هاتفك . لكن هل تعلم ماذا وجدنا عندما وصلنا الى باب شقتك ؟"

"هل وجدتما الباب مفتوحا ، حسنا انا بنفسي نسيت ان كنت قد اغلقته"

قهقه ماهيتو بجنون قبل ان ينظر الى سوكونا قائلا " وجدنا طفلا صغيرا في سلة ومعه ورقة تقول ، ارجوك اعتني بإبننا الى ان اعود اليه ، ارجوك سوكونا ان اثق بك "

كانت الكلمات التي قيلت كالماء البارد الذي سكب على الدكتور ، لو لم يرى نظرات ماهيتو الجادة لكان يظن انه يمزح ، قبل أن ينبس ببنت شفة استطرد الاخير كلامه
"يبدوا انه حديث الولادة ،  إستدعينا الامن و حتى اننا تفحصنا كمرات المراقبة ، لم نعثر على اي شيء و كأن الفتى سقط من السماء "

سوكونا مازالت كلمة طفل تتكرر داخل رأسه ، هو كان متأكدا أنه لم يفعل اي شيء ينتج عنه ولد ... لكنه لم يفهم لما كان الكلام موجها اليه .

" أ أ أ تقول انكم وجدتم غلاما امام شقتي ؟ هذا لا يعقل انا لم ازني قط . ثم انت يا ماهيتو  تعلم يقينا انني ما كنت لأتخلى عن طفلي ابدا نظرا لما عشته .."

" عليك ان تهدأ ، سنذهب الان الى منزلك و بعد ان تشرق الشمس سنستدعي الشرطة و نخبرها عن كل ما حدث ، اجزم انه لا علاقة لك بذاك الطفل ، لذا حاول ان تتماسك كل شيء سيكون على ما يرام . الان غير ملابس و لنذهب "
                           *************                         

عندما وصولهما للبيت وجدا هانامي جالسة مع الرضيع و هي لا تعلم ما تفعل به ، ما ان لمحتهما حتى صرخت فيهما

" أين كنتما ، هذا المخلوق اتعبني من كثرة صراخه بالكاد سكت "

" الشيء الوحيد الذي يشعر الطفل في هذا العمر بالامان هو رائحة امه ، و كون رائحتك مختلفة فهذا ما سبب له البكاء "

سوكونا لا يحب الأطفال ، و لكنه يجد نفسه مسؤولا عنهم و كأنه لا يريد لأي كان أن يعيش معاناته ، يريد ان يعيش الصغار طفولة مريحة مع أهلهم ، ألا يكون هناك فقد لكنها فقط رغبة لا يمكن ان تتحقق و ها هو مثال حي على ذلك..

هو لا يعرف لما هذا الملاك هنا و لما تخلى عنه أهله ، فاللحظة التي مد يده للمسه سرت قشعريرة في أطرافه ، كان لو أنهما تٱلفا و اصبحا شخصا واحد ، بسرعة سحب يده و بدات عيناه تفقدان بريقهما ، الحق أن هذا المشهد جعله يدرك أن قلبه لا يزال في حالة حداد  لطفل داخله ،  لم تكن أفكاره و لا مشاعره مرتبة لذا قرر ان يستلقي في سريره الى ان تشرق الشمس لعل الضباب ينقشع و توضح معالم الاشياء البيعدة في الافق...برغم ذلك مزال يسمع ماهيتو يتحدث على الهاتف كان واضحا انه يستشير احدا . الصوت كان متقطعا لكنه فهم ان الشخص الاخر نصحه بالذهاب الى الشرطة و كان هذا اول شيء سيفعلونه  ...

                              **********.                         

لكل شيء أول مرة كان هذا المثل ينطبق عليهم فهاهم الثلاثة و معهم الطفل ينطلقون إلى مخفر الشرطة ، لم يسبق لهم زيارة ذلك المكان لذا كانت المعلومات تنقصهم ... حاول ماهيتو كالعادة تلطيف الأجواء بحركاته البهلاوانية و حديثه المزعج ... ما ان وصلوا حتى استقبلهم موظفون بابتسامة ساحرة  مما طمأن قلوبهم . وقفت احدى الأنسات و سلامت عليهم و سألت بكل ادب عن كيف يمكن ان تساعدهم ...

بدأ بعضهم ينظر لبعض ،  الى ان قرر سوكونا التحدث
" الحقيقة أننا وجدنا طفلا امام شقتي البارحة ، و لا أعلم من تركه هناك مع ملاحظة موجهة إلي "

سكتت الفتاة قليلا قبل أن تنفجر ضاحكة و عندما رأت في وجوههم نظرة جادة اعتذرت ..

"أسفة لذلك ، لم يعد الناس يأتون إلينا من أجل هذه القضايا  من فترة مضت ، كما تعلم هناك الكثير من للجمعيات و المؤسسات التي تهتم بهذا الإشكال ، يمكن ان امنحك أرقام بعضها ان اردت "

أجاب الثلاثة بدفعة واحدة " سنكون من الشاكرين ان فعلت هذا .."

"الأمر لا يعنيني لكن بما أن هناك من طلب منك الإعتناء بالطفل ، ألا تظن أنه من الممكن ان يكون ابنك او شيئا من هذا القبيل ، أفهم عدم رغبتك في الاحتفاظ به ، لكن أظنك ترتكب خطأ "

ليس و كان الثلاثة لم يفكروا في هذا ، المشكله ان سوكونا لايعبث في الأرجاء لذا من المستحيل ان يكون ابنه ، فرضية أن يكون احد يأتمنه على ابنه غير منطقية أيضا ، فهو لا يملك الا قلة من الناس و يمكن عدهم على اطراف الأصابع و لا احد منهم يتوقع ولدا ..

أردفت السيدة قائلة : " على اي عندما تستلم أي منظمة الطفل فهي تكون مسؤولة عنها بالكامل ، اي انك لن تعرف الى اي ميتم ذهب او هل تبنته اي عائلة "

" ليس و كأننا نهتم بما يحدث له ، نحن غارقون في المشاكل حتى اخمص أقدامنا لن نقدم له اي عون "  ماهيتو حاول ان يكون موضوعيا في هذا الموضوع و حاول ان ردع السيدة فهي بالنسبة له تحاول ان تلعب على عواطفهم .. لم يكن الأمر لينطلي على ماهيتو او هانامي لكن سوكونا شيء اخر لديه هذا التعاطف مع الأطفال ففاقد الشيء يعطيه ببدخ

" حسنا ، سأعطيكم أوراق لتملؤها بينما اتصل على احدى المؤسسات القريبة من هنا ..."

انغمس الثلاثة في افكارهم مدة من الزمن الى ان انتفض سوكونا متحدثا مع اصدقائه " ستكرهونني لهذا لكنني سأحتفظ بالطفل ... " لم يتفجأ الجالسان فقد كان الأمر مسألة وقت حتى يسمعوا هذا القرار ..

بإحباط واضح تحدث ماهيتو " أنت تسكن تقريبا في المشفى ، نحن لدينا اعمالنا و حياتنا الشخصية . من سيقابل الطفل يا فهيم ؟"

"فكرت في هذا لذا سيتوجب عليا البحث عن مربية ما و هكذا ننهي الأمر " بحماس أجاب سوكونا

" اين ستجد مربية تعلم اليوم كاملا ، لا تنسى ان لديك مناوبات مسائية ايضا إلا أن كانت ستعيش معك "

"أنت عبقري يا ماهيتو ، أظن أنني اعرف الشخص الوحيد الذي سيتحمس للبقاء معي "

قلب ماهيتو عيناه قبل أن يذهبوا الى السيدة و هذه المرة سألها سوكونا عن الإجراءات القانونية التي يجب أن يتبعها كي يسجل نفسه كوالد للفتى قبل أن يتذكر ان الفتى يجب على الاقل ان يحصل على اسم
" ماذا يمكن ان نسميه ، الشخص الذي ترك الرسالة لم يذكر فيها اي شيء بشأن اسمه " قبل أن يتلفظ احدهم بشيء قالت السيدة " اظن ان اسم ميغومي سيكون مناسبا عليه .."

بتعجب اجابها ماهيتو " أليس هذا اسم فتاة؟"
"لا إنه يعني البركة ، من يعلم قد يحمل معه أقدارا مباركة "

و بهذا خرج سوكونا العازب من المخفر بصفة اخرى و هيا الأب الاعزب لطفل اسمه ميغومي
                            
           د   *******.              

في الحانة ، كان ابن اعرق العائلات في اليابان يتحدث مع صديق طفولته ، كان الفتى ذو بنية قوية و طول شاهق ، ملامح وجهه مختلطة بين الياباني القديم مثل حواجبه ، شعره وانفه ،وبين الياباني الحديث مثل فكه و خدوده. كان من ايقونات الجمال و الذكاء أما عن صديقه فكان هو غوجو ساتورو لا غير ..

حقيبة سوداء كانت الحاجر بينهما ، و بينما حاول ساتورو سحبها امسكها توجي و بصوت حاد غليظ سأله "أأنت متأكد انك اهتممت بالأمر ؟" ليجيبه بصوت مرح كعادته " أنت تعرفني و تعرف مقدرتي ، المشكلة الوحيدة هنا انك لن تستعيد ما تخليت عنه أبدا " و بتحدي واضح تلفظ يوجي ب"سمعتي هيا كل شيء ، قبل أن أضع يداي على كل شيء لن أسأل عنه " الجواب لم يعجب غوجو ليأكد له من جديد " أنت لن تسأل عنه ، حتى لو ملكت الدنيا بما فيها " ادرك يوجي انه لن يفوز لينهي النقاش بزفير و يترك الحقيبة ليأخدها غوجو . غادر توجي ليترك غوجو غارقا في أفكاره ، هو لا يحتاج المال ليفعل فعلته لكنه أرد اكثر من ذلك ، اراد بيت يعود اليه ، شخصا يحبه لشخصه فقط و كان هذا ما سيساعده ، بدأ يتأمل الكأس أمامه ، هو يعلم يقينا انه لا يتحمل الكحول رغما هذا بدأت رغبته برشفة تطغى عليه و في النهاية ارتشف الكأس بأكمله ... بالقليل من الإدراك الذي مزال يمتلكه اتصل بسائق ليقله ...

بعد ان توقفت السيارة وجد نفسه أمام عمارة لا يدري من يتواجد بها لذا فقد ترك أقدامه تقوده الى المجهول ، لم يمنعه أحد من الدخول فهو غوجو ساتورو و إن كان ثملا ...

ما إن توقف المصعد في الدور الرابع حتى بدا يستوعب الى اين يتجه لم يكن يهتم ،  كل ما كان يدور في عقله ان يجد مكانا للنوم ...

بترنح واضح واصل المسير الى ان وقف امام البيت الوحيد الذي كان سيستقبله ، بعد دقائق من دق الجرس فتح الباب ليسقط غوجو على الشخص الواقف أمامه واخر ما سمعه كان
"يجب ان أفكر جديا بتغيير المنزل "


Comment