{3}










"ساعات القدر تمضي, و ها هو موعد لقاءنا المحتوم واتياً
لذة اللحظة حين آجثم عطركِ الفاتن, ستجعلني ثملاً أمد الدهر دون رغبة بالصحوة"

"زاندر"

.

"مصير يُكتب.."

.

كانت التحضيرات للحفل مساء تقوم على قدم و ساق, بات قصر آل رونيالديوف يعبق برونق الفخامة و الضيافة المشرفة
إهتم جميع الخدم تحت إشراف لاريسا و والدتها غالينا في وضع كل شيء بمكانه دون نقصان, لم يبقى سوا العد التنازلي لحفل الخطوبة التي تحددت أنها في مملكة الزعيم السباتي
بذلك الوقت و في فيلا زاندر الخاصة, بات يجلس في الشرفة ببرود كاسح فيما يتجرع من كأس الفودوكا و يدخن سيجارته الحارقة
عينه الهادئة تراقب تنسيق الخدم للحفل, مع ذلك هو كان يظهر تعابير جامدة للغاية و غير مبالية, ربما لآنه يرفض فكرة تدخل والده و الزعماء في فرض سلطتهم المطلقة حتى على زواجهم
من المستحيل أن يقع في ذلك مثل رومان, لن يسمح يوماً لوالده بإختيار إمرأته ولو إضطر لإرتكاب المحرمات لثنيه عن ذلك
و بينما هو كذلك يختلي بمنفاه حتى إنتبه لآحدهم قادم بإتجاهه حيث بات يفرك كفي يده في حنق دفين, لربما رغب في تبريد خطوط الإحمرار المشتعل كالسعير فيه بعد موجة ضرب قاسية من سياط والده
شاب يافع في السادسة عشرة, شعر أسود كثيف مصفف للخلف بعناية و زوج أعين لازوردية راقية محفوفة بملامح وسيمة مخملية رغم التعابير المستاءة التي تضج بها تقاسيمه, كانت هناك ضمادات و لصاقات موزعة بأنحاء جسده
بات يتمتم بينه و بين ذاته بشتيمة ثم ما لبث أن جلس بالكرسي المقابل لزاندر يتربع بجفاء حانق
سأله الأخر بحاجب معقود و قد تملكته السخرية اللاذعة متطلعاً فيه بإمعان مخيف
-يبدو أن أحدهم حصل على عقاباً قبل قليل, أم أنني مخطئ يا فيكتور
تأمله الفتى فيكتور بإبتسامة مائلة مشبعة بالإزدراء ثم رد بقهر جازاً على أسنانه
-تستطيع الرؤية على حد علمي يا عمي الغالي, رغم أنني مصدوم من رؤيتك مستيقظ في الوقت الذي يفترض أنه ميعاد قيلولتك
سكت لبرهة من الزمن يشحذ بعض من الأكسجين كي يضبط من عصبية مزاجه رادفاً
-و بالطبع سأنال جل انواع العقاب طالما لدي أخوين واشيين, اللعنة بأضعافها على رستم و أرسلان
قهقه زاندر بقوة حين إلتمس السخط بنبرة صوت إبن أخيه الغابط حيث قام بتعديل جلسته معلقاً بتجهم
-ماذا فعلت لتعاقب أيها الأحمق الوغد؟, انك فعلاً تحطم الرقم القياسي أكثر منا نحن أعمامك, لما لا تتريث عليك اللعنة ألا يكفي البارحة
رد فيكتور ماطً شفته
-لقد قمتُ بشتم أحدهم بألفاظ قذرة, تحداني في لعبة عبر الإنترنت ثم هزمني بطريقة دنيئة مما إستفزني كما الجحيم, فبتُ أشتمه و أهدده بالقتل في موجة غضب عارمة
أكمل عمه ساخراً و قد لف ذراعيه حول صدره المنتفخ
-و سمعك التوأم اللعين ثم قاموا بصب الحديث بإذن والدك؟, أحسنت أيها المعتوه, تباً لابد أن تتعلم من إيزيكل كيف يدير أموره حين يقرر كسر القوانين
قطب حاجبيه متسائلاً بإستخفاف
-هاه!, و كيف يدير أموره قطعة الحقارة ذاك, لم أنسى بعد ما فعله بي و برينيه حين ذهبنا لـ تلك المهمة, كما أنني عوقبت كذلك من والدي و جدي
أعطاه نظرة مخيفة مشبعة بالحدة, محذراً إياه مما يتفوه به فما لبث أن تمتم بجدية يسحب نفساً من سيجارته فيما يراقب شيئاً من خلف ظهره بتوجس ماكر
-بكل بساطة و بضغطة زر سيعرف من يكون ذاك الشخص, ثم سيذهب لعنوانه ليريه الجحيم على الواقع بصمت و دون جلبة, صدقني ولا أحد سيدرك الحقيقة أمد الدهر, تصرف بذكاء تعبت و أنا أعلمك
إرتخى فيكتور في جلسته مستمتعاً بذلك, فكرة أنه قد يفعل ما قام به إيزيكل توقد الحماس بجوفه, بالفعل هو رغب بكل حقارة يمتلكها أن يمزق ذاك الشخص الذي هزمه و شتمه  بلا خوف
لكنه قبل أن يعلق على حديث عمه حول إذا ما كان مسموح له بفعلها الأن أم لا, فجأة شعر بذراع تمتد من خلفه و تخنقه بقوة جبارة, إحتقن وجهه وهو يحاول التملص بآلم من تلك الذراع الغليظة
دنى ايزيكل قرب أذنه هامساً بنبرة جافة و قاتمة
-من تقصد بقطعة الحقارة يا لقيط آل رونيالديوف, أتريديني أن أجعلك ميدان التصويب خاصتي اليوم, حينها ربما تفكر ملياً في حقدك الدفين ناحيتي
إحتدت قبضتة حول عنقه لدرجة بات يسمع شهيق فيكتور العالي حين بات يتمتم بأنفاس لاهثة
-لقيط!, بحق الجحيم, منذ متى و أنت هنا!, آآخ عمي أنقذني إنه ينوي قتلي و قد أهان أسرتنا
هتف زاندر بسخط غليظ بسبب إزعاجهم له في الفترة التي ينبغي فيها أن يظفر براحته و سكينته المقدسة
-تباً لكما, دعه يا ايزيكل, لقد نال نصيبه من العقاب اليوم و البارحة, وفرها لوقت أخر و تفنن حينها في الإجرام به دون رادع
تركه ببرود يتخذ مجلسه بقرب زاندر الصامت, إحمرت عنق الأخر بالفعل حيث بات يسعل بقوة يمسد موضع الإحمرار بتوجس
ما لبث أن تمتم بضيق حانق
-تشجعه على التنكيل بي يا زاندر!, برافو لقد بدأت أشك بأنك عمي بالفعل, تباً هذه العائلة لا تختزل سوا اللعناء و عديمي الضمير, مع ذلك أنت أفضل من الباقين و أنا أحبك
تأفف عمه بصبر فيبدوا أنه يبتلع الرغبة في إنتشال عنقه من موضعه بهذه الثانية, وضع ايزيكل ساق فوق الأخرى متمتماً بسخرية
-بعض القواصر بات لهم لسان ينطق بثقة, آآمم حذاري من أن يقطع في لحظة غرور عمياء, تدرك بأننا قليلوا الصبر عزيزي فيكتور ولا نفرق بين أخ و صديق, الكل سواسية بعالم هيمنة الكواسر
رد الأخر بثقة ماكرة يعطيه نظرة باردة
-تناديني بالقاصر و قد بتُ جزء من المافيا منذ العام السابق, هه القوانين تحرم التهديد الصريح بين الأعضاء, فإن وشيتُ بك!, ترى ماذا سيحدث يا سليل آل دياتلوف
إحتدت أنظاره المرعبة و برزت العروق تتراقص عبر أوردته بجنون ثم إلتفت ناحية زاندر ليسأله بقتامة إجرامية
-هل يمكنني قتله بالخطأ؟, سأقول بأن الفوهة إستدارت إنشً دون قصد, و سأحتمل العقاب طالما لن يسلخ جلدي و يترك لحمي للحيوانات أو للعفن
لم يرتعب فيكتور حرفياً إلا من تلك النظرة المهيبة التي باتت تقدح بها أعين عمه الشرس, إرتعدت أوصاله حين سمعه يهتف بصوت حاد كالموس
-ثانيتين فقط, إن لم تغرب عن وجهي, أقسم بالرب أنني سأجعل القصر يضج بدمائك
بمجرد ما إنتهى زاندر من التفوه بتلك العبارات كان الاخر قد هرول بالفعل مبتعداً لقصرهم وهو يتمتم بينه و بين نفسه بإستياء
تنهد بقوة يزفر شحنات شيطانية, لوهلة كاد يجرم في إبن اخيه الحقير ذو اللسان السليط, و من شدة حنقه قام برمي عقب السيجارة ثم داسها بعنف
بتلك الثانية سمع همس ايزيكل الجاد بنبرة غامضة
-ليلة البارحة!, ماذا حدث يا زاندر؟
إلتفت إليه بكامل وعيه يمعن التحديق فيه, كان هادئ بشكل لا يوصف, تعابيره لا تظهر أي معالم واضحة, وما هي إلا حفنة من الثانية
حتى صرح زاندر بوحشية
-قتلت بعض الحقراء, أرسلهم ديكلن على أعقابي بلا تردد, فأرسلتهم إليه جسد بلا أعضاء, كنتُ بمزاج ثائر بحق و فرغت جُل عنفواني البربري بهم
ضاقت أعين ايزيكل بتوجس ليتمتم بإسوداد
-كانوا مدنيين, الأمريكي السافل يدرك القانون في عائلة الملوك السود, و يبدو أنك لا تريد أي قبر يحوي جسدك يا زاندر, العُرف هو حبل المشنقة الملفوف حول أعناقنا, و أنت بكل بجاحة تشد من غلظة الحبل دون أن ترخيه
رد ببرود شديد
-طالما لا أحد يعرف, كل شيء سيكون بخير, نيكولاي يتدبر الأمر
-و اللعنة, لما لم لا تكبح جماح نفسك, حين يطالكما العقاب جميعنا سنكون فيه, حتى ابن أخيك الوغد لن يسلم
قهقه ساخراً
-سيكون رجل مافيا, دعه ينال بعض من سياط المافيا الروسية اللاذع, حينها لنسخر منه بملئ أشداقنا يا ايزيكل لو بات ينتحب باكياً
هز رأسه بخيبة آسفاً لكنه سرعان ما قهقه مستمتعاً بالمثل حين تخيل شكل فيكتور وهو يبكي بعدما يتجرع لون من ألوان عذاب المافيا السوداء التي باتت مرسومة رسماً على جلودهم

•._.•°¯°•.•°.•°°°°°°•.°•.•°¯°•._.•

"منزل آل هاريسون"


وقف أمام المرآة يعدل من تسريحة شعره وهو يدندن بإستمتاع نوتة موسيقى قد آلفها لآجل أغنيتهم الجديدة خاصة به و بتوأمه
كان يرتدي ثياب المدرسة الرسمية و طبعاً لن يكون إليوت هاريسون إذا لم يخالف التنظيم و القانون, حيث بات يرتدي قميص شبابي بقبعة خلفية
حين إنتهى من تعديل نفسه و كاد يخرج بعد أن حمل حقيبته إستوقفته دافني المتكآة قرب الباب ترمقه من علوا رأسه
-نشيط على غير العادة!, هل حدث ما يسعدك أيها الفتى الملعون
حملق الأخر فيها بأعين اللطف و البراءة متسائلاً بإستغباء
-ماذا تعنين؟, تلمحين أنه من السيء شعوري بالفرح و النشاط يا أختي!
علقت بحدة ساخرة و قد زفرت الهواء الساخن خارج رئتيها
-بحقك, لو كان كذلك سأكون رعناء و عديمة الإنسانية
هو يفهم كلياً ما تعنيه في حروفها, فهي تلمح لما حصل بعمه ماكريديت و فضيحته المنتشرة حيث ببراعة مرعبة إستطاع كتم رغبة الضحك الهستيرية التي تضج داخل أعماق جوفه
حمحم بعمق ثم أعطاها تلك التعابير المنزعجة مما جعلها تشعر بالتوتر و الإضطراب
-صدقاً إذا كان هناك ما ترغبين بالحديث بشأنه, كوني واضحة دون اللف و الدوران و لعب لعبة الأحاجي, لقد سئمت شكك و توبيخك, آراكِ لاحقاً
قال ما قاله ثم رمقها ببرود ساخط ليخرج بعدها من الغرفة تحت نظرات دافني التي كادت أعينها أن تسقط من مقلتيها بعدم إستيعاب
هل كانت مخطئة بحقه!, أكان إليوت بريء هذه المرة مما جرى بعمها!, تقسم أنها لو رأته يقتل أحدهم و يدفنه بأم أعينها ثم سيقول بتلك الملامح اللطيفة أنه لم يفعل
ستصدقه و تكذب ما رأته, إنه شيطان متنكر, بل مجرم بملامح بريئة وهي لا يسعها إلا الخوف مما قد يطاله لو بقي على هذه التصرفات دون وجود من يثنيه
تأفأفت ملئ شدقها قهراً حيث إنتهى بها المطاف بأن قامت بلعن إليوت و نفسها و حتى عمها الأحمق الذي جعل من نفسه ضحية بأيدي مراهقين خبيثين وهو شرطي متمرس
هبطت للدور السفلي فوجدت أن إليوت لازال بالمطبخ مع والديها و الذي سرعان ما تناول مصروفه من والده لينتهي به بتقبيل رأسه بمرح ثم هرول خارجاً
جلست خلف المائدة بهدوء حيث علق والدها تايلر بحاجب مرفوع
-قلبي يخفق بتوجس, تقبيله لي يعني هناك كارثة يمهد لها, لابد أن أجهز العصا للإحتياط
فلتت ضحكة من فم دافني عندما سمعت تكهن والدها المثقل بمصائب إبنه و أخيه ثم أيدته في كلامه بثقة
إتخذت مادلينا موضعها بقربه لتقول بإبتسامة دافئة
-رويدك يا تايلر, لا تكن ضيق التفكير ودائماً تتوقع السوء, بالنهاية إليوت يعيش مراهقته و سيعقل, دعه لا يندم بالمستقبل حتى الرمق الأخير, مجنون اليوم سيكون رجل الغد, ستفخر به لك وعدي
تناول قطعة من اللحم المقدد متمتماً بسخرية و قد قوس شفته بخفة مشاكسة
-حديثك هذا هو ما يشجعه للمضي قدماً في أن يأتِ بأجلي مبكراً, إعفيني من المرار بحقك يا مادلينا, لم أعد شاباً قادر على الركض خلفه لآعاقبه, خاصة أنه يقفز من نافذة غرفته مثل البغل و لا تتكسر ساقيه
قهقهت زوجته من حديثه الغابط فلم تمنع نفسها من معانقة ذراعه القريبة منها هامسة برقة
-ستبقى دوماً العمود الشامخ لمنزلنا, رجلي الإستثنائي و زوجي الأوحد, فلا تأتِ بذكر الأجل يا حبيبي رجاءً, فكلانا قد خط عمره بحبل القدر الأحمر بلا إنقطاع
تهلل وجه تايلر مستمتعاً بغزل زوجته منصاغ كالمخمور هامساً بعذوبة
-إلهي الرحيم, أي مسلسل مكسيكي لقمكِ هذه الكلمات, تريثِ فأنا لا أضمن نفسي حين أستمع لعبق حروفكِ الآسرة يا غجريتي
لمح توهج وجنتيها خجلاً, فكان راغباً بأن يدنوا ليقبلها قبلة صباحية, إلا أنه تنبه لتعليق دافني حين قالت سريعاً وهي تهم بحشوا قطعة توست بالمربى و العسل
-حسناً يا زوجي الكناري, بما أنكما لا تهتمان بمشاعر العزباء المسكينة التي بقربكم, سأذهب لتفقد جاسنا و أنتما إبقيا في  لهيب العشق و الغزل إلى أن يجف منبعه
قهقه الإثنين من توبيخها اللطيف فيما هي قامت بقضم قطعة التوست لتسير ذاهبة للخارج و منها لمنزل آل سواريز
طبعاً لا تحتاج للإستئذان بل دخلت كما العادة عنوة, وجدت بطريقها السيدة صوفيا قد إتخذت مجلسها قرب شاشة التلفاز تقلب بالقنوات بعدما غادرت فاسيلي مع إليوت للمدرسة
قامت بتحيتها و ردت الأخرى بإشراق فما لبثت أن أكملت دافني  مسعاها للدور العلوي تقتادها قدميها لتلك الغرفة القابعة بأخر الممر
فتحت الباب بهدوء شديد, فتطلعت بأعين طارفة لجاسنا التي كانت بالفعل غارقة بكل حواسها في نوم عميق غير مبالية بأي لعنة تحصل من حولها
كانت الغرفة راقية بأثاثها الأنثوي و بسيط في رونقها الجامع بين البيبي بلو و الرمادي الفاتح, باتت غارقة بالعتمة لا يوجد مصدر للضوء سوا شعاع متسلل خلسة من أسفل النافذة
تنهدت دافني بعمق ثم ما لبثت أن إبتسمت بحبور لتدلف للداخل ثم تمددت بجانب جاسنا بأريحية حتى تبحث عن السكينة بقرب رفيقة دربها
خاصة أنها لازالت ترتدي منامتها و لم تقم بتغييرها, أحست جاسنا بها مما دفعها لآن تفتح عين واحدة بثقل معلقة ببلاهة
-رُحماك ياربي, من أين أشرقت الشمس اليوم؟
-شرقت من مشرقها كما هي العادة, لماذا؟
تساءلت بإستنكار لترد جاسنا بحاجب مقطب و قد تثائبت بخمول
-لآنكِ متمددة بجانبي و لم تبدأيي بالصياح متذمرة حول الذهاب للعمل, حدث تاريخي مخيف, ظننتُ بأن القيامة قد قامت, تجمدت الدماء بعروقي
ما أن فهمت دافني مقصدها حتى قهقهت بشدة, إسترخت أكثر في تمددها تسحب الغطاء إليها رادفة بكسل
-لو قامت هل كنتُ سأتمدد بجانبك يا بلهاء, الوقت لازال مبكراً, فقط عودي للنوم, سأصرخ عليكِ بعد ساعتين فلا تفرحي جزافاً
قالت ذلك لتغمض كلتاهما أجفانهما في راحة, و ما هي إلا بضع ثوان حتى غاصتا بالنعيم المستلذ
بل كلتاهما بالنهاية قررتا عدم فتح المحل و أخذ بقية اليوم كإجازة راحة.


•._.•°¯°•.•°.•°°°°°°•.°•.•°¯°•._.•





"آل رونيالديوف"

توقفت سيارة باجاني هوايرا قرب بوابة آل رونيالديوف, ثم هبط منها ذاك الرجل بقامته الرفيعة مرتدياً جنزاً و قميص أسود قد حفته أذرعه المنتفخة
عينيه الرمادية المخضرة الخابتة تطلعت قليلاً في الحراس الملتفين في تنسيق منظم, ثم سرعان ما إفترش بسمة خافتة يزيح نظارته السوداء لتوضح ملامحه الحادة
مسد شعره الفاحم للوراء ثم ما لبث أن خطى بخطواته الثابتة ناحية الباب للدخول و لم يكلف نفسه عناء قيادة سيارته للكراج الداخلي
وقف أمام أحد الحراس حيث ما لبث أن حياه بإحترام
-مرحباً سيد ماثيو آل فياتشيسلاف
تمتم الأخر مجيباً بهدوء
-أهلاً, هل زوجتي مستيقظة؟
-نعم و هي تهتم بترتيبات الحفل مساء الليلة مع السيدة غالينا
طق لسانه بإستياء عابس ثم تنهد بعمق ليتعدى الحارس الذي تنحى جانباً, سرعان ما سار عبر الحديقة الفخمة المزدانة بالطاولات ذات المخمل الأحمر
و قد إستقرت بوسط كل طاولة فازة على شكل أوزة تقضم بفمها الكرستالي وردتين, واحدة بلون وردي و الأخرى بلون أبيض
حملق بالمكان من حوله وهو يصفر بإعجاب لا يوصف, طبعاً لا يخفى على ماثيو أن كل هذه تكون من لمسات زوجته الساحرة
يعرف أدق التفاصيل حولها, حتى لو غيرت موقع مزهرية صغيرة سيدرك أنها من فعلتها, أنثاه تلك إستثنائية لآقصى درجة لهذا المتيم المفتون
تقدم من القصر الخاص بالزعيم السباتي ذاته فإنتبهت قزحيتيه للواقفة بثوبها الأسود الطويل المنسدل على جسدها النحيل بتناسق يغريه
تبسم بمكر وهو يراها توجه بعض الخادمات لوضع أصيص الأزهار المتفرعة قرب الزوايا لتعطي منظر باهر مع تنسيق الحفل بالطابع الأغريقي الناعم
سار بخفة متسللاً إلى أن وصل لخلفها كالجان فيما كانت لاريسا منهمكة في متابعة العمل بكل روح عالية فلم تنتبه لزوجها ماثيو بطوله الفارع قد إستقر خلفها
لوهلة أحست بذراعين تطوقان وسطها دفعها لآن تشهق شهقة ذعر تقسم معها أن قلبها إستقر بحنجرتها و لفظ حياته
توتر ماثيو بالبداية خوفاً عليها لكنه سرعان ما همس موبخاً بدلال يحكم من إحتضانه لمعشوقته بعد إحساسه بإرتخاء تصلبها
-تركتني البارحة أنام وحدي بعدما إعتدت الراحة بين ثنايا حضنكِ يا قاسية, لقد عشتُ ليلة مهلكة بحق, بقيت أتطلع للسقف دون أن تغمض أجفاني بغتة, بربك ماذا أفعل بكِ
سحب نفس عميق من عبيرها الأخاذ يجثم قبلة دافئة على كتفها, بينما لاريسا تحاول ضبط هلعها و تضارب نبضاتها كما لو كانت سناجب مذعورة
إكفهرت تعابيرها ثم إلتفتت بأعينها للوراء تتطلع بزوجها الذي ما لبث أن قطب حاجبيه لصمتها
فجأة قامت بضرب يده عنها توبخة حانقة من فعلته
-ويلاه منك يا ماثيو, ليس لدي عمر بعد عمري إن قمت بتنقيصه بأفعالك هذه, متى ستكف عن حماقاتك
حملق بيده بصمت مسود لكنه إبتسم شبح إبتسامة عابثة لآنه يحب هذه المتوحشة من آل رونيالديوف, لاريسا رغم أنوثتها المتفجرة هي ماكرة و وحشية كإخوتها
طبعاً لا يسعه سوا أن يفكر أنهم من صلب أكثر رجل سادي لعين موجود بصفوف المافيا الروسية, تعرف متى تصبح حملاً وديعاً و متى تنقلب شخصيتها لنار محرقة
تمتم ماثيو بهمس رقيق يدنوا بوجهه الوسيم قريب من وجهها ذو التعابير المتوجسة
-و إذا لم أكف ماذا ستفعلين بشأن ذلك يا حلوتي؟, أعتقد أنه يفترض بكِ التفكير بتعويضي عن ليلتكِ التي قضيتها هنا لآجل خطوبة أخيكِ, رغم أنني رفضت الفكرة و لكن حضرتكِ لا تسمعين الكلام و عاندتني
رمقها بنظرة قاتمة لها الكثير من المعاني, فلم تمنع لاريسا نفسها من التطلع فيه بذات النظرات وهي تعقد ذراعيها حول صدرها
همست تقترب منه بخفة حتى كادا أن يلتحمان, قالت بتجهم
-تعويضك!, لا أصدق أن هذا الحديث يأتي من الرجل الذي تركني يوماً كاملاً دون إتصال, تقتاد ساقيك اللعينة من مهمة لمهمة, تباً و تجرؤ بكل بجاحة على طلب تعويض لتركك
تصادمت أعينهما في إحتدام صامت, ماثيو يكاد لا يظهر أي تعابير واضحة أما لاريسا فكانت ترمقه بعبوس و ملامح فجة
كاد أن ينطق إثر تحرك شدقه, لكن ظهور زاندر المفاجئ برفقة إيزيكيل من خلفه جعله يبتلع الكلمات بقوة, حيث قال معلقاً بنبرة ساخرة ما أن لمح ماثيو و شقيقته
-وااو العاشق الولهان قد حضر, توقعت أن تحضر أبكر من ذلك بما أن لاريسا باتت عندنا ليلة البارحة
أيده الواقف بجانبه بإبتسامة ماكرة فيما ينقل تطلعاته بين زاندر و الأخر
-ياالهي, هل حدث ذلك حقاً!, سحقاً الآن فهمت سبب تلك الملامح التي لا يبدو أنها ظفرت بالنوم
كان يلمح لكونه في مزاج معكر و مرعب, و هذا السبيل لا ينتهي إليه إلا بكونه قد نال يوماً سيئاً, خاصة لعدم وجود حب حياته و ابنته بالمنزل
بالجهة الأخرى ماثيو قد إلتفت إليهما ببرود كاسح و أعينه تصوب قتامة مخيفة كأنه يتوعدهما بنفسه دون أن ينبس بحرف
سرعان ما علق بفظاظة عميقة يرسم ابتسامة ساخرة
-يفترض أن يلقبونك بهادم اللذات, و ليس حاصد الأرواح يا وجه الغراب, كله من تحت رأسك
رمى زاندر نظرة مرعبة ناحيته حين هتف بذلك, كأنه يوشك على الإنقضاض عليه كـ ليث باتت فريسته تحاول الفرار من أنيابه الدامية بعد غرسها عميقاً بعنقها الشهي
أما لاريسا فقد تأفأفت من هذا الحديث المزعج حيث صرحت بلا مبالاة
-يستحسن أن أذهب للداخل, و أكمل عملي قبل أن أفقد رزانتي معكم يا وحوش المافيا السوداء
بالفعل قد تركتهم تلج للداخل باحثة عن والدتها حتى يضعن اللمسات الأخيرة لترتيبات الحفل, أما زاندر و ما أن تأكد من ذهابها
حتى صرح بقساوة غليظة و قد لف ذراعيه حول صدره
-يبدو أن أحدهم يرغب بنيل لكمة في هذا الصباح , لا ترمي علي سوء مزاجك أيها الوغد, لأنك تدرك أنني لن أتوانى في سحق وجهك
صرخ الآخر بوجهه باستياء مماثل و قد برزت عروقه عبر إمتداد عنقه
-ينبغي أن أوجه هذا الحديث إليك, بحق اللعنة جعلتني أخفي ما اقترفته من جُرم, وتجرؤ على السخرية و جعل لاريسا تغضب مني لعدم الرد عليها
فجأة اعتلت الصدمة وجه كلاً من ايزيكيل و زاندر, حيث تلفت الأخر حوله باهتمام يتأكد عدم سماح أحد لتصريح ماثيو
قام بجذبه من ياقة قميصه لمكان أخر و بالأخص منطقة يدرك زاندر ملياً عدم وجود أي فضولي حتى لو كان العفريت بذاته وينصت لحديثهم
سأله بأعين ضيقة وقد اعتلت تعابيره الجدية المفرطة
-هل طلب نيكولاي ذلك منك؟, ألم يقدر على التستر حول القضية كـ شرطي
رد ماثيو بهدوء مريب ينقل نظراته بين الإثنين الواقفين
-كان لابد من ذلك, بات أبائنا يستلمون الشكاوى بشأن هذه المسألة, و مجلس المافيا لو أشتم أي غلطة سيكون الجحيم لنا, كان لابد من إخفائها عن وجه الكرة الأرضية دون أي أثر
زاد من حدة الضغط على قبضته ثم ما لبث أن بات يلفظ السباب خارج فمه بهيجان, يلعن و يشتم فيها ديكلن و عصابته اللقيطة التي تنوي عليه بموت بشع
أما إيزيكيل الصامت فكان ينظر لماثيو الذي رمى عليه نظرة خاطفة ثم سرعان ما حولها لجهة قصر شقيقته و زوجها حين سمع صوت رينيه الفرحة
حيث خرجت برفقة فيكتور كي يتجهون للمدرسة مع السائق الخاص بهم
-خالي!, يا أهلاً و مرحباً بك, لا يمكن أن يكون الصباح أجمل سوا بحضور سيد الرجال
ركضت بإشراق لطيف ثم ارتمت بحضن خالها الذي إستقبلها بالأحضان حيث انهال عليها بقبلات ناعمة دغدغت خدها برقة
-يا حلاوة الروح, شقيتي المدللة, تدركين ملياً أن خالكِ بالمثل لا يسعد بيومه كله دون أي يظفر بطيفك الأخاذ
توردت وجنتا رينيه من عبق لطافة خالها وهي غائصة بين أحضانه, فلاحظ الأخر يدها الملفوفة بالجبيرة ليسأل بقلق توقد بروحه
-بحق الرب, ماذا حدث ليدكِ يا صغيرتي؟, هل سقطتِ!
توترت تقاطيعها من سؤاله المباغت ثم حولت أبصارها ناحية إيزيكيل بعبوس و الذي بدوره أعطاها بسمة ساخرة بينما يرفع حاجباً واحد بإستخفاف لا يوصف
أما زاندر فقد زفر زفرة قوية خارج صدره لمعرفته بأن الحرب العالمية الثالثة ستبدأ بعد قليل بين الرجلين الواقفين
سألها ماثيو مجدداً بإلحاح حين لم يسمع جوابها, فمن رد هذه المرة بلئم كان فيكتور الذي إقترب منهم بخفة يجثم حقيبة ظهره السوداء
-بالواقع يا زوج عمتي, كان ايزيكل آل دياتلوف هو السبب في إصابتها, قناصته الملعونة كسرت كتفها ليلة البارحة
عند هذه النقطة تحولت أنظار ماثيو المخيفة ناحية الواقف بقرب زاندر بكل برودة أعصاب, أما زاندر بحد ذاته كاد أن ينقض على فيكتور بغضب عارم
لآنه قد حاول ثنيه عن الحديث بتعابير وجهه المهددة و الأخر لم يعره أي مبالاة, وما وقف سد بينه و بين أجله كان ماثيو بذاته حيث أمره بأخذ رينيه و التوجه للمدرسة
بالفعل ذهب مع ابنة عمه من فوره و قلبه مشبع بالاضطراب والقلق, لأنه يحب عمه زاندر و لا يهون عليه غضبه منه, و رغم ذلك حقده من ايزيكل كان أشد
لآنه قد نال عقاب عسير بسببه بل كاد يموت حين فهم أن الوضع جدي ولا مزاح فيه.
ما أن خرج المراهقين من المنزل, حتى ابتدأت معركة طاحنة بين إيزيكيل و ماثيو ذو المزاج المتعكر حيث جذبه من ياقة قميصه, فيما زاندر بات الطرف المحايد بينهما, يحاول منع كلاهما عن ضرب الأخر
بل بات يصرخ بثوران فيهما بأن يتوقفوا, و حين طفح الكيل به تركهما و ذهب لقصره الخاص لينعم بالنوم حتى المساء وهو يشتم بلذاعة حانقة.


•._.•°¯°•.•°.•°°°°°°•.°•.•°¯°•._.•

"بلدة رياديون"

انتهى اليوم الدراسي على خير مايرام في مدرسة إليوت و فاسيلي, حيث قام اخر معلم بجذب دفتر الحضور عن الطاولة بعدما اعلن لهم على تاريخ بداية اختبارات نصف السنة
رغم أنه داخلياً يكاد يصرخ بإنفعال لعدم مبالاة طلابه و غادر خائب الأمل ككل يوم, فكل واحد منهم بعالمه الخاصة, إليوت نائم على طاولته و رفيقه يعبث بالكرسي و يتأرجح فيه بهدوء
أما فاسيلي فكانت تتشاطر احاديثها مع رفيقتها بكل حماس تخبرها بما فعلته بعصابة الفتى الذي اراد الاعتراف بمشاعره اليها و انتهى بها المطاف بسحق وجهه برفقة إليوت
على الرغم من ذعر صديقتها من همجية هذه الفتاة لكنها تحمست فهي تكره تلك العصابة المتنمرة و الجانحة
و بقية الطلاب في هرج و مرج لا هوادة لها, فجأة نهض إليوت جالساً مما أرعب رفيقه الذي شهق هلعاً و كاد يسقط للخلف لكنه تمالك نفسه في اخر ثانية, يمنع الكرسي من الإمالة
هتف موبخاً بإزدراء
-حتى و انت نائم تسبب الحوادث لمن حولك, رويدك ماذا دهاك
لملم الاخر شعره المبعثر للخلف و قد تثائب بملل
-للتو فكرت, بشأن ما فعلناه مع عمي ماكريديت, قم بحذف الفيديوهات و اجعل الأمر يختفي كما ظهر
قطب حاجبيه مستنكراً اهتمامه المفاجئ
-فجأة ضميرك بدأ يوبخك؟, لا تدفعني للضحك
قهقه إليوت ملئ شدقه مما تفوه به صديقه, حيث قام باعادة ظهره للخلف بأريحية
تمتم بعبث ماكر
-تعرف كيف ترمي النكت السخيفة, على اي حال نلتُ غايتي و جعلته يندم على ازعاجي, اختي بدأت بالشك بأنه من عملي, لا اريد وجع رأس حين يدرك عمي كذلك, وقبل أن يطالني جحيم عمي سيكون والدي من سيرحب بالمهمة و يقتلني قبله
فهم رفيقه المغزى من كلامه, فأيده في ذلك و باشر في تنفيذ الأمر عن طريق هاتفه بإستخدام براعته كـ مخترق حواسيب في اخفاء الفيديو المنتشر عبر وسائل التواصل
شكره إليوت لكونه أكثر من يعتمد عليه بهذه الأمور المعقدة, ثم استقام متوجهاً لحيث تقبع فاسيلي و قد وجدها تهم بأخذ حقيبتها إستعداداً للخروج
لم يلبث بعدها أن خرج كلاهما من اسوار المدرسه بعد توديع رفاقهم, و اثناء السير للمنزل تحدث إليوت بحماس
"عزيزتي, يوم ميلادك بعد بضعه ايام, و أدرك كم ترغبين في كثير من الأمور لكن مدخراتي محدودة, لهذا اخبريني بأهم طلب تريدين تحقيقه من توأمك"
تبسمت فاسيلي و بدأت تتطلع إليه بسعادة غامرة لكون هذا الفتى لا ينسى تاريخ ميلادها قط, ثم حاولت التفكير ملياً في طلبها بما أنه قد تفضل عليها بسماع ما قد تتمناه ليتم تحقيقه ولو كان جلب قطعة من نجمٍ مضيء
فجأة لمعت ببالها تلك الرغبة التي لطالما واتتها, الأمنية التي تسعى جاهدة لتحقيقها رغم رفض عمتها و جدتها المستبد للظفر بها ولا تفهم السبب في امتناعهم عن البوح بذلك
إلتفتت لإليوت و اعينها قد تشبعت بالأمل تزدرد لعابها مهابةَ مما تبوح به
"أريد أن ارى أمي, هل يمكنك اخذي للعاصمة؟ "
توقف الاخر وقد تملكته الدهشة من طلبها
"والدتك؟, لما تريدين الذهاب لرؤية إمرأة تركتكِ بعمر لا تتذكرينها به, بحقك يا فتاة"
فركت فاسيلي يديها بتوتر, و قد تنهدت بنوع عميق من الإشتياق المتوقد
"كل ما اسمعه من افواههم أنها قد تركتني كي تعمل بالعاصمة و تعيلني, والدتي ترسل المال بإنتظام و لكنني لا اقدر على رؤيتها, اريد معرفة الحقيقة يا إليوت فأنا مازلت اتشبث بطيف صاحبة الشعر الأحمر, نارها تحرق فؤادي أملاُ في جثم أمانها"
كان إليوت يتأملها بإمعان صامت لآنه يفهم ملياً حقيقة آلم فاسيلي, فهي لم ترى والدتها منذ سنين بينما ترسل إليها المال عن طريق البريد أو الحساب البنكي
بل و عمتها جاسنا و جدتها صوفيا يبدأن بالتصرف بغرابة حين يتم ذكرها و يتحاشون الحديث عنها, مكتفين بقول "أنها اختارت الاستقلال بذاتها و العمل حتى لا تزعج احداً, و انها ستعود يوماً"
هو لا يفهم لما هذا اللغز حول والدتها, و فاسيلي بطبيعة الحال ستبقى تتساءل عن هذا الغموض الغريب, و الذي هو وهي لعلهما يدركان حقيقته و لكنهما يخادعان ذاتيهما
زفر شحنة هواء خارج صدره بعد تفكير عميق ثم استطرد بجدية
"ستغضب جاسنا كثيراً, تدركين ملياً انها ستقوم بجز اعناقنا بمساعدة دافني, فنحن مازلنا قاصرين"
كورت قبضتها بحدة و سألته بتقطيبة
"ستأخذني أم لا, لا تماطل معي بتخويفي من عمتي"
"و هل تظنين أنني اخافهم؟, بالتأكيد سألبي لكِ أمنيتك, فقط اجلبي العنوان و سأتكفل بالباقي, سأطلب من والدي مفتاح السيارة, رغم انه سيرفض لكنني سأخذه"
سعدت فاسيلي بذلك فما لبثت أن قامت بضم إليوت بكل امتنان و شكرته, بات قلبها و فراشات معدتها ترقص فرحاً بتحقيق ما توقعته سيطول و ينتهي به بنسيان مرهق
اخيراً ستستطيع مفاجئة والدتها بقدومها إليها, تعبت من تخيل صوتها الحاني يدغدغ اسماعها كلما فكرت بها, بل هي ستراها بعد كل تلك السنوات من الحرمان
باتت تحاور نفسها المتلهفة حول ما عليها ارتدائه لآجل اللقاء المنتظر, خاصة انها تدرك محبة والدتها للون الرمادي, و هذا هو سبب صبغ شعرها للرمادي الجميل
و بالفعل لم يضيعا الوقت في المماطلة, جهزت فاسيلي نفسها للرحلة بحماس متوقد بالمساء حيث اخبرت الجميع بأنهم سيقصدون منزل أحد رفيقاتها للإستمتاع
قامت بسرقة عنوان والدتها من الدفتر الخاص بعمتها بالغرفة و من ثم إلتقت بإليوت الذي بالاساس قد سرق مفتاح سيارة والده بكل بجاحة بالمثل
لم يتعب ذاته حتى بمحاولة طلبه, لآنه و من سابع المستحيلات أن يفكر والده تايلر مجرد الفكرة بإعطائه, فذلك اختصر على نفسه العناء و كثرة الكلام
توجه الاثنين للعاصمة و هما يتوجسان خيفة من لقاء الشرطة عبر الطريق الطويل, حينها سيكون كل ما قاموا به هباءً منثورا و ستحل عليهم الكارثة
و بعد قيادة اربع ساعات متواصلة و متعبة للإثنين, وصلوا لغايتهم و كم انبهرا بشوارع و جمال بيوت العاصمة الفاخرة ذات الطراز الحديث, فالعاصمة كانت بحق لا تقارن بالريف حين تتحدث الفخامة و العراقة
سأل إليوت أحد المارة عن عنوان السكن بالورقة, و الذي كان متفاجئ في بادئ الأمر حيث بات يتطلع فيهم بإمعان غريب, مما جعلهما يستنكران تصرفه
لكنه بالنهاية اخبرهما ثم ذلف بعيداً دون النطق بحرف اخر, لم يباليا به و ذهبا لحيث اخبرهما بحماس لا يوصف, إلا أن ما وقعت ابصارهما عليه هو خمسة قصور ضخمة متواجدة في ذات المحيط
كاد فك كلاً من فاسيلي و إليوت أن يسقط من هول ما يشاهدانه, يستحيل أنهما اضاعا السبيل بل هو الموقع الذي دلهما عليه ذاك الرجل
تمتم بأجفان تطرف بلا وعي وقد بلغ به الهلع مبلغ لا يسعه شرحه
"اي عنوان سرقته يا فاسيلي؟"
كانت الاخرى بعالم اخر, تتطلع بكل تلك الفخامة وهي مشدوهة الحواس, فكانت الفكرة التي ارتسخت بعقلها بهذه الثوان
هي أن والدتها تعمل لدى هذه الآسرة الفاحشة, و لهذا هي ترسل إليها ذاك المال الوفير, لربما شعرت بنوع من التخوف و التوجس
ايمكن ان هذه العائلة او حتى والدتها ذاتها لن تستقبلها برحابة صدر؟
هل يمكنها الدخول ببساطة و السؤال عنها, ماذا لو خاب ظنها و كان العنوان خاطئ او تم طردها و منعها
قلبها بات ينبض مرتاعاً من هذه الجملة أكثر من غيرها, انها ستعود ادراجها خائبة و ان هناك حقيقة اخرى تتجلى في اعتاب هذا الغموض الملتف
كان إليوت يرمقها بصمت شديد, اكتفى بأن شجعها ببث بضع من الدعم لشتاتها, و كان هذا التصرف بالفعل مثمر لفاسيلي التي احتاجت بحق لعونه
سحبت نفس طويل تعيد تجديد الهواء بصدرها, ثم نفثته بعيداً لتفتح الباب و تترجل خارج السيارة برفقة إليوت
تأملت القصور و الحراس و ما شد حواسها اكثر هم الضيوف الانيقين ذوي الطبقة المخملية الذين باتوا ينهالون بالدخول عبر البوابة, و هنا ادرك الاثنين ان العائلة تنظم حفلاً ما
و هذه هي الفرصة السانحة لهما للدخول و البحث عن والدتها كما لو كانا من الضيوف المدعويين دون ان يثيرا اي شبهة حولهما
بضع خطوات رزينة حتى وجد الاثنين نفسيهما مقابل البوابة و الحراس, ثم تلك الرغبة الكبيرة في بلوغ ما اوصلهما لهذه النقطة الحاسمة بعد كسر القوانين
لا مجال للتراجع هذا ما قالاه لبعضهما باللحظة التي اقتادا فيها اقدامهما للدخول منخرطين مع الضيوف و منها افترقا و ذهب كلاً لجهة للبحث عن ذات الشعر الاحمر
ساعتين فقط ثم حينها يجب العودة للسيارة للقاء, حتى لو عنيا ذلك الزحف عبر ركبتيها, كان هذا الاتفاق الصارم الذي امر به إليوت لفاسيلي المضطربة
توغلا بين الحضور و اعينهما الثاقبة تراقب كل وجه بدقة, يتمنيان ولو سهواً أن يلمحا تلك المرأة التي اشعلت قلب الابنة بطيف متكبر لا يكاد يزورها حتى بالمنام
أن ترهف ابصارها المشتاقة للثم رائحة الليلك النضر, رائحة الكرز الشهية حين يتم تخميرها لصنع النبيذ المُسكر
فهل ستقدر تلك الطفلة على بلوغ طيف شبحها المتواري بين حقيقة و كذباً ضحل.

Comment